فيما تواجه دولة الاحتلال جملة تحديات أمنية وتهديدات عسكرية، ترصد أجهزتها الاستخبارية تنامي في قوة أعدائها، وتظهر هي في حالة غرق في مستنقع السياسة الداخلية الذي لا ينتهي، مما قد يحول دون قدرتها على التعامل مع المشاكل الرئيسة التي تواجهها، وهو ما تشخصه القوى والدول المعادية للاحتلال.
مع العلم أنَّ التحديات الإسرائيلية المصنفة تحت بند الأمن القومي لا يمكن فصلها عن الصعوبات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها، والإخفاق في مجالات الحكم وانعدام سيادة القانون والفوضى الحزبية، تشكل أحد عوامل الفشل في التصدي للإشكاليات الأمنية التي تواجه الدولة في الوقت ذاته، مما قد يستدعي منحها مزيدًا من الأهمية في البحث والنقاش، خاصة وأنها تلقي بظلالها المتزايدة على الوضع السياسي والانتخابي الإسرائيلي.
لا يبدو صعبًا إجراء مسح دقيق لهم هذه الإشكاليات الداخلية التي تواجه دولة الاحتلال، بعد أن أشبعت التحديات الخارجية عرضًا ونقاشًا مستفيضين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: حالة عدم الاستقرار السياسي، والتغييرات المتكررة في الحكومة، وانعدام التضامن الاجتماعي، مما ينتج عنه في النهاية صورة من الضعف الواضح، وعدم القدرة على إنتاج الحكم، وتبدد الردع، وغياب رؤية استراتيجية طويلة المدى.
بصورة لافتة، ظهر تحدٍ أمني جديد بين الإسرائيليين، رغم أنهم يشتركون فيه مع بقية المجتمعات العالمية، لكنه عندهم يزداد حدّة وخطورة، ويتمثل بالتهديد القادم من الشبكات الاجتماعية التي تنتج مفكرين سطحيين ذوي أفكار ضحلة، لكنهم فجأة يسيطرون على الخطاب الإسرائيلي العام، ويحتلون المكانة التقليدية للساسة المخضرمين، ومع مرور الوقت تفقد التسلسلات الهرمية الاجتماعية والعائلية التي كانت موجودة في الماضي أهميتها وضرورتها.
ترصد المحافل الإسرائيلية أن هذه الشبكات تنتج خطابًا فظًا وتحريضًا على الخصوم السياسيين، لاسيما في ظل حملة انتخابية تزداد سخونة وقسوة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، حيث تنتشر الأكاذيب بين هذه الشبكات بطريقة تزيد من استعداد الشبان الإسرائيليين للانخراط بشكل متزايد في الأحداث العنيفة والجريمة الداخلي، لا سيما في ظل غياب حوكمة قوية وتنظيم صارم وتساهل في الإجراءات القانونية تجاه المتورطين سابقا في أعمال إجرامية داخلية، أو التحريض عليها.
في هذه الأوقات تصدر أصوات إسرائيلية تطالب دوائر صنع القرار بإبداء مزيد من الجرأة في الاعتراف بغياب الرؤية السياسية، وافتقاد الوزارات الحكومية المختلفة إلى السلوك المهني والمستقر، مما أسفر عنه في النهاية حالة من غياب المبادرة والريادة، الأمر الذي يشكل رابطا أساسيا بين ضعف الحكومة، وعدم استقرارها، وافتقاد الدولة استراتيجيات طويلة المدى في مختلف المجالات، إضافة لاستمرار الاستقطاب والانقسامات الاجتماعية والدينية، كل ذلك أسهم في إيجاد صورة للدولة تحمل مزيدا من مؤشرات الضعف والتراجع، رغم ما تحوزه من قدرات عسكرية فتاكة.