رغم ما تزعمه دولة الاحتلال عن تصنيف نفسها بين الدول الغنية والمتقدمة في العالم، لكن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مؤسساتها الحكومية تكشف جانبًا أسود عن الواقع الاقتصادي والمعيشي لليهود في الدولة التي اعتقدوا أن فيها “المنّ والسلوى”، لا سيما بعد الأزمات الاقتصادية الأخيرة التي عصفت بها.
ورغم توفُّر نظام غذائي غني ومتقدم في دولة الاحتلال، لكن من الناحية العملية، يعاني خُمس سكانها انعدام الأمن الغذائي، كما أن جودة الطعام آخذة في التدهور، ويعاني 10٪ منهم من انعدام الأمن الغذائي الشديد لدرجة أنهم لا يعرفون متى ستكون وجبتهم التالية، ويتم إتلاف 2.5 مليون طن من الغذاء سنويًّا.
مع أن التقدم في إنتاج الغذاء في دولة الاحتلال قد لا يؤدي بالضرورة لانخفاض معدل الجوع، ربما لأن سوق المواد الغذائية فيها تسيطر عليه عدد من الشركات، وربما لأن 90٪ من قمحها مستورد، وهناك طلبات مماثلة من حيث الحجم من الحبوب الأخرى أيضًا، وخزانات الطوارئ لم تتم زيادتها منذ 50 عامًا، فيما تعاني الأراضي الزراعية عوامل التعرية، ما قد يؤدي إلى تدمير كامل لها.
إذا لم يكن ذلك كافيًا، تكشف التقارير الاقتصادية الإسرائيلية أن دولة الاحتلال، الغنية المتقدمة، تغرق بين حين وآخر بطلبات التبرع بالمنتجات الغذائية وحملات توزيع الطرود الغذائية لمواطنيها الذين يعيشون في فقر، ويملأون كل مكان فيها، مع أن المنظمات الإغاثية تدرك أن هذا ليس حلًّا، وقد باتت تطالب عشية الانتخابات القادمة بوضع ميزانية لقضية انعدام الأمن الغذائي بإضافة 350 مليون شيكل، وإلا فسيكون الإسرائيليون بانتظار مأساة رهيبة تخص الإنتاج الغذائي، خاصة مع انهيار قطاع الزراعة، وتوجه المزارعين لقطاعات أخرى.
تؤكد هذه السطور نتائج مسوح اقتصادية متواترة، وتتحدث أن أكثر من ربع مليون أسرة في دولة الاحتلال دخلت تحت خط الفقر، فيما هناك 850 ألف أسرة تفتقر لعناصر التعليم والرعاية الصحية والغذاء الأساسية، مع وقوع 268 ألف أسرة جديدة في براثن الفقر، وباتت دولة الاحتلال غير قادرة على توفير الأمن الغذائي لهم.
وفيما تعتمد المعطيات الحكومية في تحديد الفقر على الدخل وحده، فإن منظمات غير حكومية تضع معايير أخرى لقياس حجم الفقر الذي يعانيه الإسرائيليون كالإسكان والتعليم والرعاية الصحية والقدرة على تغطية تكاليف المعيشة، وفيما تتحمل المؤسسات الإغاثية معظم عبء انعدام الأمن الغذائي في دولة الاحتلال، فإن هناك نقصًا في التمويل الحكومي، مما يجعل وكالات الرعاية الاجتماعية عاجزة عن الاستجابة، بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة، وتآكل الأجور، وعدم وجود سياسة للعدالة التوزيعية، مما قضى على الطبقة الوسطى، وألحق الأذى بالفئات السكانية المحرومة، ووسّع الفجوات القائمة.