الخليل-
توافق اليوم الذكرى السنوية الثامنة عشر، لاعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي للقائد القسامي عماد صلاح القواسمي، وذلك بعد اشتباك مسلح استمر لساعات مع جيش الاحتلال، الذي حاصر أحد المنازل بالخليل في 13 تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2004.
ولد عماد في حي عين سارة بالقرب من مسجد الحرس بمدينة الخليل، وهو تاسع إخوانه الذكور وله ثماني أخوات، تربوا جميعاً تربية إسلامية، ودرس أسيرنا البطل المرحلة الابتدائية في مدرسة الصدق ثم الإعدادية في مدرسة الملك خالد، وشاء القدر أن يقدم الثانوية العامة داخل السجن.
وتربى عماد في مسجد الحرس، الذي خرّج الكثيرين من قادة وكوادر حركة حماس وكتائب الشهيد عز الدين القسام، وكان يتميز بالأخلاق الرفيعة والهدوء والصمت والحرص على صلة الرحم وحب الجميع والعطف على الصغار.
مجاهد منذ الصغر
تزوج أسيرنا القسامي عام 1998، وذلك بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال، وله من الأبناء ثلاثة أكبرهم صهيب.
بدأ عماد مشواره الجهادي منذ الصغر، واعتقلته قوات الاحتلال مرات عدة بينها عام 1990، حين حكمت عليه بالسجن ست سنوات لانتمائه لكتائب القسام والمشاركة في المقاومة، وبعد انتهاء حكمه وضع في الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر.
وقبيل انتفاضة الأقصى بدأت رحلة المطاردة، وكان مطلوباً لقوات الاحتلال، ومع اندلاع الانتفاضة كثفت قوات الاحتلال عمليات البحث عنه، وبعد اجيتاح مدينة الخليل عام 2002، سجله الاحتلال كأحد المطلوبين في كتائب القسام، بتهمة المشاركة في تنفيذ عمليات المقاومة.
تصنيع العبوات
امتلك القائد القسامي عماد قدرة على تصنيع العبوات والأحزمة الناسفة وتجهيز الاستشهاديين، وصنفه الاحتلال بعد عمليتين وقعتا في بئر السبع بأنه المطلوب رقم واحد في الضفة الغربية.
كما حمّلته سلطات الاحتلال المسؤولية عن محاولة تنفيذ عملية استشهادية أخرى مزدوجة في مطعم كفيت بالقدس المحتلة، وتجهيز الشهيد مالك ناصر الدين وآخر لتنفيذها، ولم تتم العملية بسبب عطل فني في حزام ناصر الدين الذي استشهد لاحقا في عملية اغتيال إسرائيلية له في بيت شقيقته في حي الحاووز في الخليل.
وتعرضت عائلة الأسير على مدى السنوات الأخيرة لسلسة من التجارب القاسية والمعاناة على أيدي جنود الاحتلال، الذين دأبوا على الحضور إلى بيت والده الذي كان يقيم فيه، حيث يوجد ثلاث عائلات قوامها 15 فردا بينهم أطفال، وفي هذا البيت كانوا يعبثون بكل محتوياته ويخلطون المواد الغذائية ببعضها ويخرجون الملابس من الخزائن ويلقونها في منتصف المنزل، هذا عدا عن ضرب وترويع الأطفال والنساء في جوف الليل.
وكانت قوات الاحتلال كلما حضرت تهدد والده الحاج صلاح بقتل ابنه إذا لم يسلمه وهدم البيت، إلا أن هذا الحاج الصابر كان يصر على أنه لا يعرف شيئا عن ابنه ولا أين يوجد، بل كان يقول لهم افعلوا ما شئتم، وأكد أنه طوال فترة مطاردة ابنه لم يعرف طعما للنوم وكان يسهر دائما يفكر في ابنه.
عائلة مجاهدة
صادرت قوات الاحتلال صور الأسير وعقود الزواج والهويات وجوازات السفر، والشهادات العلمية، وكافة متعلقات الأسرة من وثائق.
ولم يكن عماد هو المناضل الأول في بيته بل إن قوات الاحتلال اعتقلت له ثلاث أشقاء هم إياد الذي حكم عليه بالسجن 13 عاما، وشقيقه طارق،الذي حكم عليه بالسجن 26 شهرا، ومراد (30عاما) الذي اعتقله الاحتلال قبل شقيقه بأيام.
شنت قوات الاحتلال حملة واسعة على بيت عائلته، وداهمت في وقت متزامن بيت أهله وبيت أصهاره الذي وجد فيه منتصف الليل، وتحديداً عند الساعة الثالثة فجراً، وأحاطت به من كل اتجاه، ثم بدأ أحد جنود الاحتلال بإلقاء الحجارة على باب المنزل لإيقاظ السكان وإخراجهم.
فخرج لهم الحاج صلاح ووجد عشرات الجنود يحيطون ببيته، وكأنه تحول إلى ساحة تدريب، وفراً طلبوا منه أن يرفع ملابسه بغرض التفتيش، ثم أمروه أن يخرج جميع من في المنزل ففعل، وأخرج عائلته من نساء وأطفال صغار، ومعهم والدة المعتقل التي كانت قد بترت قدمها بسبب السكر.
اعتقال عماد
لم تجد قوات الاحتلال عماد في منزل أهله، لكنها عثرت عليه في منزل أصهاره في الطرف الجنوبي الغربي لمدينة الخليل، وحاصرت المنزل بأكثر من مئتي جندي، واعتلى القناصة أسطح كافة المنازل المجاورة وصوبوا بنادقهم نحو منزل صهره حافظ الخطيب.
وبعد فترة وجيزة، أمرت قوات الاحتلال كل من هم في البيت عبر مكبرات الصوت بالخروج، وهم الأب وثلاثة من أبنائه وزوجته فخرجوا جميعاً، وتم التحقيق معهم في منزل مجاور، إلا أنهم أنكروا وجوده، ما أثار سخط المحققين ودفعهم إلى إرسال الابن الأصغر بلال ومعه هاتف نقال، ليطلب من عماد تسليم نفسه، فدخل ونادى لكن لم يجبه أحد فعاد دون نتجية.
ثم بدأ قصف المنزل بالرشاشات المختلفة وعماد بالداخل، وأعيد بلال ثانية لكنه لم يعد بنتيجة، ومع بزوغ الشمس بدأت قوات الاحتلال من خلال جرافة بهدف غرفة فيها طيور وأغنام تقع بالقرب من المنزل الذي كان يتواجد فيه، ثم هدمت محلين تجاريين بهما سيارتين.
وبدأت بهدم أطراف المنزل البالغة مساحته 140 مترا، واستمرت عملية الهدم التي طالت أيضا منزلا مجاورا وعماد بالداخل أعزل من السلاح فيما يبدو في انتظار الشهادة، إلى أن بقيت زاوية واحدة من المنزل وبقدر من الله نجا من الهدم، فتم اعتقاله على الفور بعد سقوط حائط كان يستتر فيه.
واستخدمت قوات الاحتلال التفجير ثلاث مرات في منزل الخطيب، أثناء وجود عماد بداخله، واعتقلت صهره (والد زوجته) وابنيه.
وبعد انتهاء العملية توافد أهالي الخليل لمساندة أصحاب البيت المهدوم، وانتقلت آليات الاحتلال إلى بيت والده لتنفيذ عمليات تفتيش جديد وتنكل بأهله ونقل هو للتحقيق.
السجن المؤبد
خضع لتحقيق قاسي لأكثر من ثلاثة شهور، وبعد عامين أصدرت محاكم الاحتلال بحقه حكماً بالسجن المؤبد لستة عشر مؤبداً، بتهمة المسؤولية عن عملية استشهادية أدت إلى مقتل 16 صهيونياً.
ورزق القواسمة خلال اعتقالها وتحديداً في شهر شباط/ فبراير 2015، بطفلة جديدة عن طريق النطف المهربة من داخل السجون، بعد أن وضعت زوجته الطفلة جلنار لتنضم لعائلة الأسير.
وتوفيت والدته الحاجة رمزية القواسمة خلال اعتقاله عام 2009، عن عمر يناهز (62 عاماً)، بعد صراع مع المرض، وكان حين وفاتها أبنائها الأربعة طارق وعماد وإياد وزياد أسرى لدى الاحتلال.