يدرك الاحتلال الإسرائيلي أن مهمة الأمن وتوفيره في الضفة الغربية باتت تستنزف قدراته ومخزونه وخططه وكتائبه في ظل عدم وجود أفق لهدوء أو عودة على الأقل لما قبل محطات جنين ونابلس، فالأمر انتشر كثيرا وتكهنات العمليات متخبطة والمفاجأة سيدة الموقف، وهذا كله بفعل ما يقدمه الفلسطينيون من خطوة مهمة في تغيير قواعد المواجهة بعدما تجمدت لسنوات واختصرت الجغرافيا في غزة والمشهد على العسكريين وحسب، في المعادلة الجديدة إنهاك واضح وكبير للاحتلال بكل جوانبه حتى السياسية منها المتعثرة أصلا.
وبينما يمضي الاحتلال في معادلة القوة المفرطة في التعامل مع بعض المدن في الضفة الغربية تماشيا مع توصيات جهاز المخابرات” الشاباك” التي تحذر من انهيار أمني واسع يطال تدمير السلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو، دفع هذا بالعديد من القواعد للتغير وأخذ المراحل إلى مربعات أخرى ستكون ضربة استراتيجية لمشروع الاحتلال إن تم تعديلها وتغييرها وإضافة بصمة عقلية مقاومة عليها.
يسجل يوميا في الضفة الغربية من ثلاث إلى ست عمليات إطلاق نار مهمة وحساسة بعضها قاتل والآخر مرعب ناهيك عن الحجارة والزجاجات الحارقة والأكواع المتفجرة محلية الصنع، هذا كله يعني أن الأمن الذي يجب توفيره للمستوطنين تبخر دون انتباه مسبق، ومع هذه المعادلة تركزت قوة المقاومة في غزة في إطار الإعداد والتحضير والاستعداد بالإضافة إلى خروج المشهد ليتجاوز جنين ونابلس ويصل إلى مواقع لم تسجل فيها عمليات مسبقة كما الأغوار وأريحا وغيرها.
القواعد الجديدة التي فرضتها المرحلة اكتسبت الحاضنة الشعبية التي باشرت فورا ماكنة الاحتلال وأذنابه محاولة تفتيتها بسلاح الشائعة والحرب النفسية والتثبيط والفتن الداخلية، وكذلك جغرافيا العمليات التي انتشرت بشكل لم تقدره الأوساط الأمنية بالإضافة إلى حالة القبول العام للشارع والمجتمع الدولي لتحرك الفلسطينيين للمطالبة بحقوقهم وكذلك تعزز أيقونة المقاومة والوطن، وهذا ما سعى سابقا الاحتلال إلى تهميشه وتشويهه في عقول الفلسطينيين تحديدا الشباب لتمرير فكرة الفلسطيني الجديد التي أرادوها، كذلك قاعدة الوحدة الوطنية التي كانت مفتاح السر في المشهد والالتفاف الجماهيري، فلم تقتصر الصورة على لون فصائلي واحد ما سحب البساط من تحت حجج واهية تستخدم للقضاء على المقاومة بحجة الانقسام.
هذه القواعد في ظرف عصيب الآن تحتاج من الفصائل وقياداتها أن تعمل على تغييرها وتطويرها وحمايتها.
* الحاضنة والجماهير؛ وهذا الملف الأكثر خطورة على الاحتلال حيث تعتبر الجماهير مخزن مقاومين وحافظ مطاردين ودرعا قانونيا وبشريا وإنسانياً وحقوقيا أمام العالم وتعطي المشهد الحقيقي بأن المقاومة هي شعب ينشد حقه بحسب كل الأعراف، لذلك استنفارها وحمايتها وتوعية أطرافها وضخ كل ما يلزم لإسنادها وتقويتها بات واجبا على الفصائل، واستغلال انطلاقة الفصائل الشهر القادم مهم جدا لتفعيل هذه القاعدة التي يخمدها الاحتلال لسنوات كي يستفرد بأي مقاوم أو بقعة مقاومة.
* قاعدة التحالفات وموازنة الإقليم وتعدد الوجوه الأمر الذي يستلزم من الفصائل إعادة استنفار المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ودول الطوق التي تقيم علاقة مع الاحتلال وغيرها من الأوراق الإقليمية الرامية إلى الضغط على الاحتلال كي لا يبقى مستفردا بالمشهد ويتفنن في القضاء على كل شكل مقاوم.
* تعددت الجبهات وهنا صفعة كبيرة للاحتلال، وجود غزة في خط الإعداد واستنزافه كثيرا في الضفة الغربية بضربات مؤلمة على يد الشباب ولذلك توسع الجبهات الأخير مهم جدا في منع الاستفراد وتقوية النواة التي تشكلت في جنين ونابلس، حيث أن الخليل وبيت لحم ورام الله وسلفيت دخلت ولو ببطء، هذا يحتاج من الفصائل تطويرا مهما جدا في حماية المشهد وإرهاق الاحتلال.
في صعيد الحاضنة والتعزيز والإعلام والورقة الدولية والحقوقية وجب التحرك السريع حتى تزداد الوتيرة وتحقق المرحلة أهدافها.