يتكرر المشهد في كل يوم، بل وكل دقيقة وثانية.. شهداء يرتقون برصاص الاحتلال، ومسؤولون يرددون شعارات تعبر عن استغفالهم الشعبَ، ولعل أبرزها مؤخرا مطالبتهم محكمة الجنايات الدولية بالتحرك ضد الجريمة الإسرائيلية، وهم لم يقدموا لها الأوراق والملفات، وهم من سحبوا تقرير “جولدستون” وهم من بتجاهلهم وتسويفهم يزيد الجرح تعمقا، ويضيفون بأن حكومة متطرفة قادمة وهم يعلمون أنهم يديرون التنسيق الأمني مع أي وجه في دولة الاحتلال وما هي إلا كلاشيهات سياسية حتى يقال إنهم قالوا فقد قيل.
يا أم الشهداء ستلاقين الجميع من حولك ينظرون للبكاء يأخذون جرعة حزن ويفرون دون أن يمنعوا أمًّا جديدة من أن يصل لقلبها كسر كما الذي أنت فيه، يكتفون بالبيان وشخصيات رفيعة في الميدان يومها.
سنتزاحم للجنازة ومنا من حوله حراسه وآخر سيملأ مكبرات الصوت خطابا ووعودا جياشة، وآخر سيكتب عن ماضٍ بِبَلادة، سنعود لمنازلنا وأشغالنا ونتفاخر بدقائق ثورية نسميها واجبا، وتعودين أنتِ، نعم أنت كمن سبقك من أمهات بالوجع والألم لبيت فقد ركنين وبقيت فيه ذكرى الجواد ومن ظافر لباسه.
عطورهم شهاداتهم صرخاتهم في فجر ماطر وبارد؛ ودمعة سبقت الخبر لأن قلبك أبلغك قبل أن يدرك الساسة.
ستنضمين إلى مشهد فيه أمهات كما أنت تودعينهم والدماء تسيل، وأخرى جثمان ابنها ما زال في الثلاجة تنتظر فرحة دفنه، وثالثة تقول “بس خلوني أزور مقبرة الأرقام لأقرأ الفاتحة”، ورابعة ترقب من هم خلف القضبان في عداد الشهداء.
لن تكوني الأم الأخيرة للأسف … فما زال الوطن حزينا، هذا ينهشه بتنسيقه المقدس، وآخر يمزقه بصمته وثالث يغتاله بخيانته ورابع يجعله فريسة بتشرذمه، وخامس يقتل من أجل الدرهم والعشيرة.
الإنسان بلا حقوق والوجع بلا حدود والأحمر بلا خطوط والوعود بلا عهود والتمرير بلا تحرير والسلام بلا مضمون.
الواقع مرير، قسمًا إنه مرير..
نصمت كل يوم ظنًّا أنه الوجع الأخير وأن المسيء بلا عقاب سيكون لاحقا رحيما.
ما نراه فقط وجع يتلوه وجع تغرقه دموع ويعمقه هدم وتشييع..
لا تسامحينا لأن ذلك يعني وجعا جديدا، لا تساهمي في فجع قلب أم أخرى، فكوني قوية بإرادتك، وأوقفي عجلة نفاقنا وروتيننا الذي تروض عليه البعض، فأصبح يرى الشهداء ثورة، والمقاومة عورة، حتى يبقى يتباكى ودموع التماسيح تلتقطها عدسات الإعلام.
في مشهدنا تعقيد كبير وهدر لدماء شهيد وتعمد تعزيز حق بقرار دولي وإسناد ثورة وبرنامج وطني.
سنبقى كل يوم نستفيق على حزن في غزة وبعدها جنين وثم نابلس ورام الله والخليل وبينهم يافا وأم الفحم والجليل إن لم نوقف نفاقا أسميناه وحدة وطنية وبرنامجا إستراتيجيا ومشروعا وطنيا وشعارات شعارات شعارات دون عمق للحديث.