ما تفتأ دولة الاحتلال تكشف عن مزيد من غضبها بسبب ما تواجهه من إجراءات لمقاطعتها، وحظر التعامل معها، ليس هذه المرة من الفلسطينيين والعرب فقط، بل من داخل المنظومة الغربية التي نشأت فيها، وترعرعت داخلها، وتعد نفسها امتدادًا لها وسط الدكتاتوريات العربية، أو كما قال أحدهم “الفيلا وسط الغابة”.
آخر هذه المقاطعات ما أقدمت عليه عدد من الجامعات الغربية عموما، والأمريكية خصوصًا، وعدم تردد بعض كلياتها في الإعلان أنها تسعى لأن تكون “خالية من الصهيونية”، وهي بذلك تمارس حقها الدستوري في حرية التعبير بمقاطعة المتحدثين الصهاينة، حتى إن العديد من الكتل الطلابية والمجموعات النقابية شرعت منذ مدة في تغيير وثائقها التأسيسية لحظر استضافة أولئك المتحدثين، حتى لو اعتزموا التحدث عن قضايا لا علاقة لها بدولة الاحتلال.
التوجه الجدي الذي انتهجته مؤخرًا العديد من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الغربية، وإن أغضب الاحتلال وأعوانه، لكن يبدو حاسما، وقاطعا لأشواط طويلة بإعلانها الضمني أنه “إذا كنت صهيونيًّا، وتؤمن بحق (إسرائيل) في الوجود، فلست مدعوًّا للتحدث مطلقًا حول أي قضية”، ما يظهر حجم الجهد الذي بذلته المؤسسات الفلسطينية وتلك المناصرة لها في الدول الغربية، ولا سيما في الولايات المتحدة.
مع العلم أن الجمعيات العاملة لنصرة فلسطين، ولا سيما في الأوساط الأكاديمية الغربية، لا تعادي الطلاب والمحاضرين لكونهم يهودًا، بل أولئك الذين يدعمون دولة الفصل العنصري، واضطهاد الفلسطينيين، وتسويغ الجرائم الإسرائيلية بحقهم، صحيح أنه ليس كل يهودي صهيونيًّا، لكن معاداة الأخير لن تكون بحال من الأحوال معادية للسامية، حتى لو استخدموها سيفًا مصلتًا على رقاب المناهضين لهم في المؤسسات التعليمية والجامعية الغربية، كما لو كانت رهاباً موجهًا نحوهم، وإلا فإننا سندخل في لعبة يتقنها الاحتلال وأنصاره اسمها “التلاعب بالكلمات والمفردات” أو ما يمكن عدُّها “حرب المصطلحات”.
لا تتورع المؤسسة الصهيونية عن محاولة تحشيد بقية اليهود غير المؤيدين للاحتلال، خاصة في الغرب لاستعداء الحملات الفلسطينية المناهضة للاحتلال، ومن ذلك مثلا اتهام من يدير هذه الحملات بأنهم يتبنون ما تزعم بأنها “أيديولوجية الكراهية”، أو أن “الصهيونية جزء لا يتجزأ من هوية اليهود حول العالم”.
الخلاصة أن الاحتلال الذي يشكو بأن دولته فقط هي التي تواجه مثل هذه الإجراءات التي يسرع بوصفها كالعادة “معادية للسامية”، هو ذاته الذي يتناسى بأنه ما زال الاحتلال الأخير في الكرة الأرضية لشعب وأرض سيطر عليهما بالقوة الغاشمة، ومعونة ذات الدول الغربية التي يواجه فيها اليوم النبذ والرفض والطرد، لكنها تقلبات الموازين التي لم يحسب لها الاحتلال أي حساب!