جاء رد فعل الشعب الفلسطيني العفوي بالفرحة والابتهاج للفوز التاريخي لمنتخب المغرب على المنتخب البرتغالي ضمن فعاليات كأس العالم في قطر “فيفا” 2022، وتأهله للدور ربع النهائي (المربع الذهبي)، كما أنه رد فعل مشابه لردود أفعال بقية الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية لهذا الفوز الكروي العظيم، الذي يعد الأول من نوعه لوصول منتخب عربي إفريقي إلى هذا الدور في تاريخ المونديال، وهو بمنزلة أول انتصار للأمة العربية منذ زمن بعيد، حتى لو اقتصر هذا الانتصار على الرياضة، فهذا الإنجاز والفوز المستحق للمنتخب المغربي على صعيد كأس العالم، شكل رفعًا للمعنويات، بعد خيبات العرب في السياسة وما تبع ذلك من هزائم عسكرية وثورات كان آخرها الربيع العربي.
فالشعب الفلسطيني عبر عن فرحته بالاحتفال في الشوارع والساحات العامة ابتهاجًا بفوز المنتخب المغربي، وأكبر تظاهرة شهدتها الأراضي الفلسطينية كانت في ساحة باب العمود أمام المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، كما شهدت عدة أحياء في مدينة القدس المحتلة مسيرات سيارات واحتفالات بالتأهل رافعين العلم المغربي بجانب العلم الفلسطيني، ما أغاظ قوات الاحتلال الإسرائيلية التي قامت بقمع الاحتفالات الفلسطينية، وهذه السياسة يعيها الشعب الفلسطيني جيدًا بأن الاحتلال الإسرائيلي لا يريد له الحرية والتعبير عن رأيه حتى لو كانت تتمثل في الرياضة، بل إن الصهاينة حاولوا دوما طمس أي معلم فلسطيني للتواصل مع العالم الخارجي، وكل السياسات التي ينتهجها الصهاينة هي قائمة على فرض الحصار والإغلاق، والتعتيم والتشويه التضليل وتغيير الحقائق وتزوير التاريخ.
فتاريخ الصهاينة مليء بأساليب الغدر والتنكيل بالشعب الفلسطيني، فقد حاربوا العلم والتعليم والفن والرياضة، فقتلوا المدرسين، والمثقفين، والأدباء، والكتاب، وأصحاب الرأي، والفنانين، والرياضيين وغيروا التراث وسرقوا المعالم التاريخية الفلسطينية وهودوها، وانتحلوا شخصية الرياضة الفلسطينية على بكرة أبيها،
إذ تعود قضية احتلال وصهينة الكرة الفلسطينية إلى عام 1928، حين تأسس “الاتحاد الفلسطيني” لكرة القدم، وانضم إلى “الفيفا” في العام التالي مباشرة، لكن المفارقة أن ذلك الاتحاد لم يكن فلسطينيًا ولا عربيًا، لكنه اتحاد أسسه المهاجرون اليهود وسيطرت عليه الفِرَق الصهيونية تمامًا. فكما سرقوا فلسطين وزوروا التاريخ، فلم تكن كرة القدم بمنأى عن هذا النهج، فأصبح منتخب فلسطين لكرة القدم ممثلا من اليهود دون غيرهم، الذين لم تتجاوز نسبتهم آنذاك ثلث سكان البلاد (بسبب الهجرات اليهودية المتواصلة إلى فلسطين)، وحولوا شعار ولغة الاتحاد إلى العبرية، وجعلوا النشيد الوطني للمنتخب هو النشيد الصهيوني “هتكفاه”.
العرب لم يتداركوا خطورة الأمر آنذاك فكان استيعابهم بطيء الأهداف الصهيونية في فلسطين بما فيها الاستحواذ على الجانب الرياضي، بيد أن “الفيفا” ظل معترفًا بهذا الاتحاد اليهودي باعتباره ممثلًا لفلسطين بحجة أنهم تقدموا قبل العرب بطلب الانضمام للمنظمة الدولية، بل وباتت الفِرَق الفلسطينية غير قادرة على اللعب مع نظيراتها العربية بسبب عدم الاعتراف بها وعدم سماح الاتحاد الصهيوني لها بذلك، ولم تقبل فلسطين عضوًا في الاتحاد الدولي لكرة القدم إلا في عام 1998، بشرط فصل الشتات، أي عدم الاعتراف باللاجئين الفلسطينيين من قبل المنظمة الدولية.
إن تاريخ الشعب الفلسطيني في الرياضة من تاريخ تحدي (إسرائيل)، ففي مواجهة اختطاف الصهاينة المبكر لكرة القدم الفلسطينية، أدخل الفلسطينيون كرة القدم إلى الثقافة الوطنية كوسيلة من وسائل المقاومة، وأطلق عليها أسماء مستوحاة من التاريخ العسكري الإسلامي مثل “خالد بن الوليد” و”صلاح الدين الأيوبي”، ففي عام 1945 كان هناك 25 ناديًا منضمًا للاتحاد الفلسطيني الحقيقي ومقره في النادي الإسلامي بمدينة يافا، وارتفع هذا العدد ليصبح 60 ناديًا بحلول عام 1947 على الرغم من التعسف السياسي والاعتقالات والتضييق الذي مارسته الحركة الصهيونية ضد الأندية الفلسطينية في تلك الآونة قبل النكبة، والتاريخ يعيد نفسه اليوم، ففي كل عدوان على غزة تقدم (إسرائيل) على استهداف الملاعب والنوادي الفلسطينية، على رأسها ملعب فلسطين في غزة، ومبنى اللجنة الأولمبية الفلسطينية واتحاد كرة القدم وملعب اليرموك ونادي الشمس ونادي الشهداء ونادي أهلي النصيرات وملعب رفح، وغيرها من الأهداف الرياضية.
إن التاريخ لم يرحم الصهاينة لما اقترفوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، فاليوم لا يرحمهم المونديال ولم ينفعهم التطبيع وأصبحوا منبوذين من الجماهير، فبينما يُقام كأس العالم في قطر هذه الأيام ويتابعه الملايين حول العالم، فإن الحضور الأقوى في الملاعب هي فلسطين، التي هتفت لها الملايين بالحرية، وفي المقابل يواجه الإسرائيليون في قطر عداء خلال تغطيتهم أحداث البطولة العالمية.
ولكن رغم كل أساليب الاحتلال الإسرائيلي التي مارسها بحرمان الفلسطينيين من حقهم في نهضة كرة القدم والرياضة الفلسطينية في العموم حتى الآن، فإن منتخب الفدائي يزداد تألقًا ويحقق انتصارات تلو الانتصارات، فقد تأهل المنتخب إلى بطولة أمم آسيا لعام 2023 للمرة الثالثة تواليًا، وفاز على العديد من المنتخبات العربية وغيرها، فلولا ممارسات الاحتلال الصهيوني الهادفة لطمس كرة القدم الفلسطينية، لربما كان الفدائيون على درب أسود الصحراء.