مع توقع إعلان بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته السادسة، فقد انشغلت الأوساط الإعلامية والسياسية والبحثية في الأيام الأخيرة بوضع جملة من المهام العاجلة، التي سيجدها وزراؤها على أجندتهم اليومية، ولا تقبل كثيرًا من الانتظار أو التأجيل، وإلا فإن نتائجها ستكون وخيمة على دولة الاحتلال.
مع العلم أن خطورة هذه المهام تتزامن مع حالة غير مسبوقة من الاستقطاب والانقسام الإسرائيلي واليهودي إلى قبائل وأحزاب وتشكيلات متناثرة متشظيَّة؛ ما دفع إلى زيادة الأصوات التي تطالب الحكومة الجديدة بـ”العودة إلى رشدها”، والسعي إلى رأب الصدع بين الإسرائيليين خشية الانزلاق إلى ما لا تحمد عقباه.
صحيح أن هناك جملة من التحديات الكبيرة والإستراتيجية، مع التركيز على التهديدات الأمنية من الداخل والخارج، وصولًا إلى ترميم الوضع القائم في قضايا التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، لكن من الواضح أن هناك ظواهر أكثر خطورة لا تحظى بمزيد من الاهتمام الكافي، على الرغم من أنها تتطور منذ سنوات بين الإسرائيليين، لكنها اكتسبت زخمًا في الآونة الأخيرة، وهي المتعلقة بانقسامهم العميق إلى عدد من المجموعات المختلفة، تعيش بينها العديد من التوترات والخلافات.
يتوافق الأكاديميون الإسرائيليون على أن المجتمع الإسرائيلي اليهودي منقسم إلى عدة أقسام رئيسية: أيديولوجية بين الديني والعلماني، وطائفية بين الأشكناز والسفارديم، وسياسية بين اليمين واليسار، وطبقية بين الأغنياء والفقراء، وجغرافية بين المركز والأطراف، وانقسام يفصل الصهاينة المتدينين عن الأرثوذكس المتطرفين، عل الرغم من أن السنوات الأخيرة شهدت تضاعفًا لهذه الفئات المختلفة، و”تكاثرًا” في حجم الانقسامات وعددها، مع زيادة عدم المساواة بينهم، وإضافة عشرات الآلاف إلى دوائر الفقر.
لم يعد سرًّا خطورة الانقسامات في دولة الاحتلال الآخذة بالازدياد، لأن بعضها يتداخل، ويحتوي على تصدعات أخرى، على الرغم من أن الانقسام بين الديني والعلماني هو الأكثر حدّة وتأثيرًا، وقد أظهر آخر استطلاع حول التماسك الاجتماعي أن 81٪ من الإسرائيليين يعتقدون أن المجتمع أكثر انقسامًا، وأن الانقسامات داخله آخذة بالاتساع، مقارنة مع 69٪ اعتقدوا ذلك قبل أربع سنوات، حتى إن 70٪ لا يعتقدون أن الحريديم المتدينين جزء لا يتجزأ من المجتمع الإسرائيلي.
اليوم ومع نهايات 2022م، يظهر واقع اجتماعي صعب ومُشكِل بين الإسرائيليين، فلم تعد الخدمة العسكرية تحظى بموافقة كاملة من الجمهور، ولا يرى الإسرائيليون أنفسهم ملزمين التجنُّد في الجيش، بل إن هناك مؤسسات تعمل علنيًا ضد الجيش وجنوده، ووصل الأمر إلى تصنيف قادة الجيش والأجهزة الأمنية على أنها يمينية أو يسارية، وهذه درجة خطيرة من التدهور ستترك تأثيراتها الكارثية المدمرة على نسيج حياة الإسرائيليين كلهم.