بن غفير.. مع بداية تولّيه منصبه وفي لحظاته الأولى التي اعتلى فيها عرش وزارته أعلن الحرب على أسرانا في سجونه، وهذا يثبت بأن لديه من المخزون ما يكفي من الأحقاد السوداء والخطط والبرامج والقرارات المبيّتة من قبل، فهو على ما يبدو عبوة ناسفة جاهزة للانفجار وبالتالي لتفجير الأوضاع داخل السجون وخارجها.
من اليوم الأوّل أصدر تعليماته السوداء والتي من شأنها أن تزيد الطين بلّة، وأن تعزّز فكرة معسكرات النازيّة، وأن تتحوّل إدارة السجون وفرقها القمعية بشكل سريع إلى نازيين جدد يمارسون الوحشية والقمع السادي بكل اشكاله المقيتة، وبالمناسبة هم جاهزون ومدرّبون للقيام بهذا الدور وسجلّلهم حافل بالقمع والتنكيل في أقسى صوره المرعبة، فقط يريد هذا الارعن الان رفع سقف التعذيب والتنكيل وعرض عضلاته أمام شعبه وتصدير الصورة التي تروي ظمأ كل متطرف وعنصري وحاقد.
بدأت الحرب بالانقضاض على سجن هدريم حيث استقرّت به الأوضاع مع نخبة من القادة والمثقفين والمتعلمين، وأصبح مصدر إشعاع معرفيّ ومعهد أكاديميّ يتلقى فيه الاسرى المحاضرات ويقومون بالأبحاث ويتخرجون بدرجة الماجستير من جامعة القدس، لذلك اختار بن غفير أن تبدأ المعركة من هذا المعتقل حيث قمة الهرم في حركة الوعي التي تزرعها نخبة السجون فتحيلها إلى واحة معرفة وتنوير.
وبهذا يظهر أهمية المعرفة والكلمة الحرّة في معركتنا معهم، بن غفير وعلى حجم أحقاده وجحيم عدوانه وما يمتلك من أدوات قوّة وقمع إلا أنه يرتعب من الكلمة الحرة، يرتعب من الفكرة الفلسطينية، يخاف على بنيته المتطرفة وشخصيته المتهوّرة وكيانه الهشّ أخلاقيا وفكريا وإنسانيا من الروح الفلسطينية الواعية والجميلة، يخشى من هذا النزال في ميادين الأخلاق والمعرفة، إنه حينئذ ينهزم شرّ هزيمة وتنكشف كلّ عوراته القبيحة، لذلك نجده يبدأ معركته من هنا ويصب جام حقده على هذا الميدان.
بن غفير لا يدرك أن ما حقّقه الاسرى لم يكن منحة منهم ولا لطفا من ألطافهم الخفيّة، بل كان خاوة رغم أنوفهم، وهم قادرون على إعادتها سيرتها الأولى إن سلبت منهم من جديد، هو لا يرى إلا قدراته ولا يفكّر بقدرات أسرانا على قلب الطاولة في وجهه، فهم قادرون على الوصول إلى استحقاقاتهم “على داير مليم”، كما يقولون.
أسرانا أكثر الناس معرفة بعدوّهم، يتابعون مشهدهم السياسي بكل تفصيلاته، ولهم من الخبرة الطويلة والعميقة في التعامل مع عقلية إدارة السجون واستخباراتها، يعرفون من أين تؤكل الكتف، هذا الارعن بحاجة إلى أن يتعلم منهم وسيتعلّم في ميدان المعركة، هو الآن يعلن الحرب لكنه لن يكون قادرا على إعلان نهايتها بل هم الاسرى الذين يحدّدون متى تنتهي وكيف، ومن أوراقهم القويّة: القدرة العالية على حشر مصلحة السجون وضباطها وشرطتها وفرقها في حالة من التوتّر والطوارئ والقلق على مدار الأربع وعشرين ساعة، قادرون مثلًا على تحريك الشارع الفلسطيني وإنتاج انتفاضة تهزّ كيانه وتعرض مصالحه الأمنية للخطر الكبير.
الأسرى هم قادة ومفكّرون وحركيون وتنظيميون وفوق كلّ هذا نفسهم الثوري العالي وقدرتهم العالية على تحريك المياه الراكدة والوصول إلى أهدافهم العالية. الآن هم يتسلّحون بوحدتهم وجاهزون لبرنامج نضاليّ قويّ متصاعد قد يصل إلى الإضراب المفتوح عن الطعام الكفيل بإشعال الشارع الفلسطيني وفتح المعركة والردّ على هذا المعتوه الذي يلعب بنارهم.