مع إقرار حكومة نتنياهو الفاشية حزمة عقوبات اقتصادية وسياسية ضد شعبنا وفي مقدمتها مصادرة (39) مليون دولار من أموال المقاصة لمصلحة عائلات صهاينة قتلوا في عمليات فدائية فلسطينية.
إضافة إلى سلب قيمة المبالغ التي دفعت إلى الأسرى وذوي الشهداء الفلسطينيين في عام 2022م، وتجميد بناء الفلسطينيين في المناطق “ج” التي تشكل 60% من مساحة الضفة المحتلة، بذريعة التوجه الفلسطيني إلى محكمة العدل الدولية، تكون حكومة نتنياهو المتطرفة قد بدأت فعليًّا تطبيق سياساتها العدائية ضد الشعب الفلسطيني، وفرض رؤيتها المتطرفة لإنهاء القضية الفلسطينية.
قرارات حكومة نتنياهو المعادية للفلسطينيين جاءت بُعيد اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى، وإدلائه بتصريحات استفزازية من داخل باحات الأقصى حول قداسة ما يُسمّى “جبل الهيكل” المزعوم لليهود، وإطلاقه تصريحات عدائية للأسرى الفلسطينيين من داخل سجن “نفحة”، وتهديده بتشديد ظروف الأسرى، وما تبعه من خطوة نقل عشرات الأسرى إلى زنازين العزل الانفرادي، وهي إشارات متتالية بأن الشعب الفلسطيني يواجه اليوم حكومة فاشية عنصرية، تبدو وكأنها متعجّلة في حسم الصراع مع الفلسطينيين بالقوة، مع أنه لم يمضِ سوى أيام معدودة على أدائها اليمين أمام كنيست الاحتلال، في إرهاصات واضحة بأن نُذُر المواجهة مع الاحتلال تتصاعد يومًا بعد يوم كثيرًا.
وبالنظر إلى سياسات هذه الحكومة المتطرفة، والتصريحات الفاشية لوزرائها، فهم يسعون إلى فرض السيطرة اليهودية الخالصة على المسجد الأقصى، وبناء كنيس يهودي داخل باحاته، ويطالبون بفرض عقوبة الإعدام ضد الأسرى الفلسطينيين، إضافة إلى دعمهم المُعلن لجرائم الإعدام التي يرتكبها جنود الاحتلال في الضفة والقدس، وشرعنتهم البؤر الاستيطانية في الضفة المحتلة، وإطلاقهم تهديدات عنصرية ضد أهلنا في الداخل الفلسطيني المحتل، وعزمهم على تهويد منطقتي النقب والجليل بمنح امتيازات وتسهيلات وإعفاءات اقتصادية حصرية لليهود من أجل الاستيطان في تلك المناطق، في استهداف واضح لطرد الفلسطينيين الصامدين فوق أرضهم المحتلة عام ثمانية وأربعين.
واليوم يتبادر إلى الأذهان السؤال الأكثر أهمية للفلسطينيين، كيف لنا أن نواجه هذه الحكومة الفاشية التي تمثل ذروة العنصرية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني على اختلاف تياراته الفكرية وألوانه السياسية، وفي مختلف أماكنه فوق الأرض الفلسطينية؟ وهل نستطيع استثمار تطرف حكومة نتنياهو لمصلحة القضية الفلسطينية؟ وما أبرز التحديات التي تواجهنا للصمود أمام هذه الحكومة الفاشية؟ وهل بإمكان السلطة الفلسطينية في ظل نهجها السياسي الحالي الصمود في مواجهة حكومة نتنياهو؟ وهل ملاحقة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية لأنصار المقاومة في الضفة يلبي مصالح الفلسطينيين ويحقق أهداف القضية الفلسطينية أم يخدم سياسات حكومة نتنياهو المتطرفة؟ وهل المقاومة الفلسطينية في الضفة وغزة يمكن أن تنجح في لجم التوسع الاستيطاني في الضفة في ظل الانقسام؟ وما المطلوب من أهلنا في الداخل المحتل لمواجهة تطرف وعنصرية حكومة نتنياهو؟
ربما لن نستطيع تقديم إجابات شافية على جميع التساؤلات التي تقفز إلى الواجهة رغمًا عن إرادتنا مع إجراءات هذه الحكومة المتطرفة المعادية للفلسطينيين، ولكننا نعتقد أنه لا مجال آخر أمامنا سوى العمل على قراءة واقعية للمشهد السياسي، والتفكير جدّيًّا في كيفية استثمار هذا الواقع لمصلحة القضية الفلسطينية، وربما أول ما يتبادر إلى الأذهان هو كيفية الاستفادة من تطرّف وفاشية حكومة نتنياهو في فضح الديمقراطية الزائفة والأكاذيب التي يروجها كيان الاحتلال أمام المجتمعات الغربية بوصفه واحة للديمقراطية في المنطقة العربية، وهنا ينبغي إطلاق حملات إعلامية ودبلوماسية لإبراز جميع التصريحات والمواقف المتطرفة لحكومة الاحتلال، وخاصة تلك التي ترفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية، إضافة إلى التصريحات العنصرية التي تحرّض على قتل الفلسطينيين العزل، وتعد بتوفير الحماية لجنود الاحتلال الذين يقتلون المواطنين الفلسطينيين.
من جهة أخرى ينبغي استثمار مساعي وزراء حكومة نتنياهو لتهويد المسجد الأقصى، ومخططاتهم القسرية لإنهاء الوصاية الهاشمية على المقدسات وحرمان الأوقاف الأردنية من إدارة المسجد الأقصى، في العمل على استنهاض الأمة العربية والإسلامية للدفاع عن مقدساتها، وفضح التطبيع والمطبعين مع الاحتلال في المنطقة العربية، فالاعتداء على المقدسات كفيل بتفجير المنطقة العربية برمّتها في وجه الاحتلال الصهيوني.
وداخليًّا يجب على قيادة السلطة الفلسطينية إن رغبت في الصمود أمام استهداف حكومة نتنياهو العنصرية لمقدراتها أن تراجع مواقفها السياسية، وتتوقف عن ملاحقة أنصار المقاومة الفلسطينية في الضفة، ولا سيما مجموعات عرين الأسود في نابلس، والشباب الثائر في جنين، وأن تبادر إلى تنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني بإنهاء الاتفاقيات المهينة مع الاحتلال، وإنهاء التنسيق الأمني الذي تحرص حكومة نتنياهو المتطرفة على استمراره بعدِّه كنزًا إستراتيجيًّا يخدم مخططاتها الاستيطانية في الضفة المحتلة.
كما ينبغي لقيادة السلطة الفلسطينية إن رغبت في الصمود والبقاء أن تبادر إلى عقد لقاءات مصالحة مع القوى الفلسطينية الفاعلة في الشارع الفلسطيني ولا سيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وتحقيق رغبة الشارع الفلسطيني التي أفصحت عنها استطلاعات الرأي المتتالية بضرورة إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة، والتوقف عن المراهنة على الموقف الأمريكي والأوروبي المعلن لمصلحة حل الدولتين، فالمجتمع الدولي يعيش اليوم في أتون صراع عالمي ربما لن يتوقف عند حدود الحرب الروسية الأوكرانية، ما يعني انشغال تلك القوى العالمية بعيدًا عن القضية الفلسطينية والصراع في المنطقة العربية.
وفيما يتعلق بمخططات الاحتلال لاستهداف أهلنا في النقب والجليل، وتصعيد القمع الصهيوني للمجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل، ينبغي لنا جميعًا العمل على مؤازرة صمود أهلنا في الداخل بإطلاق حملات إعلامية وشعبية ومؤسساتية لإبراز معاناتهم، وتعزيز التواصل معهم، وإفشال أهداف الاحتلال بتمزيق مكونات المجتمع الفلسطيني، وتضييق الخناق على أهلنا في الداخل المحتل، واستهداف هويتهم العربية، وإجهاض انتمائهم الفلسطيني، وهنا ندعو إلى تشكيل جبهة وطنية فلسطينية تضم أطياف الشعب الفلسطيني في مختلف الساحات، بما يعزز من وحدة الفلسطينيين في مواجهة مخططات الاحتلال.
ختامًا فإننا نرى أن تصعيد المقاومة بكل أشكالها ضد فاشية حكومة نتنياهو، ومخططاتها الاستيطانية المعادية للفلسطينيين، كفيل بلجم التصريحات العدائية الهوجاء التي يُطلقها وزراء حكومة نتنياهو ضد الفلسطينيين، كما أن رفع كلفة الاحتلال في الضفة والقدس بتصعيد العمليات الفدائية النوعية كفيل بردع حكومة نتنياهو الفاشية عن مخططاتها لقمع الفلسطينيين وتجاوز الحقوق الفلسطينية.