بينما يواجه الإسرائيليون حالة من الاستقطاب بينهم، أو ما باتوا يسمونه “حرب الكل في الكل”، فإن هناك جبهة أخرى تشهد حالة شبيهة من الخلافات الداخلية، وتتعلق هذه المرة بيهود الشتات، ولا سيما في الولايات المتحدة، وما يمرون به من فجوة متزايدة وآخذة في الاتساع، في ضوء ما كشفت عنه استطلاعات الرأي الأخيرة من خطورة الوضع القائم.
مناسبة هذا الحديث ما كشفه استطلاع جديد لرابطة مكافحة التشهير في الولايات المتحدة، الذي أظهر زيادة كبيرة في تسجيل المشاعر المعادية لدولة الاحتلال من اليهود الأمريكيين، بنسبة 20٪ من إجمالي الجمهور، وهو ضعف النسبة المسجلة في 2019، أي قبل أربع سنوات فقط.
في الوقت ذاته يعتقد 39% من الأمريكيين أن اليهود بينهم أكثر ولاء لدولة الاحتلال من الولايات المتحدة، ويعتقد 20% أن اليهود لديهم “قوة كبيرة”، ويعتقد 21% أن اليهود لا يهتمون بأي شخص سوى أنفسهم، وأكثر من نصف الأمريكيين يعتقدون أن اليهود سيبذلون قصارى جهدهم لتوظيف يهود آخرين.
تعدُّ مثل هذه المعطيات بمنزلة جرس إنذار لدولة الاحتلال، خاصة أن عددًا كبيرًا من اليهود الأمريكيين لديهم مواقف سلبية معادية لها، مع العلم أن هذه الآراء المعادية لها لا تشير إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، بل إلى دولة الاحتلال من أساسها، بغض النظر عن الحكومة التي تحكمها في (تل أبيب).
قبل عام فقط من اليوم، أطلقت جامعة (تل أبيب) دراسة شاملة استقصت ظاهرة معاداة دولة الاحتلال في العالم، ووجدت أنه سُجِّل عدد قياسي من هذه الحالات العدائية في عدة دول منها الولايات المتحدة، مع أن بعض أسباب الظاهرة تتمثل بصعود الأطراف المتطرفة إلى الخريطة السياسية الإسرائيلية، وصورة دولة الاحتلال مع العدوانات التي تشُنها ضد الشعب الفلسطيني.
تتزامن مثل هذه التخوفات الإسرائيلية مع تضاعف عدد حوادث العنف ضد اليهود في عدد من الولايات الأمريكية، وآخرها الموجة التي افتتحها مغني الراب كاني ويست، الذي وزع مقاطع فيديو تتضمن تصريحات معادية للسامية على الملايين من متابعيه، على الرغم من الإدانات الكثيرة التي وجهت له.
بعد مدة وجيزة، انضم رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب إلى هذه الثلة المعادية، وقد أثار ضجة عندما كتب على حسابه كلامًا قاسيًا بحق اليهود، وبعد شهر أثار ضجة أخرى، عندما استضاف كاني ويست لتناول العشاء في قصره جنبًا إلى جنب مع عدد من أصحاب المواقف التشكيكية بالهولوكوست.
توقيت لافت مع ما تعيشه دولة الاحتلال من خلافات داخلية وعداء خارجي في الوقت ذاته، ولعل ما تقترفه الحكومة الحالية من سياسات خرقاء يزيد من عزلتها العالمية، وتحويلها إلى دولة منبوذة، لأنها هي كذلك منبوذة ومصابة بالجذام، هكذا كانت في بدايتها، وستبقى كذلك إلى حين زوالها.