بات انحباس المطر في هذا العام هو حديث الناس ومحل قلق كبير، ويطرح الناس أسئلة كثيرة: هل هو عقوبة ربانية؟ أم ابتلاء؟ أم هو تغيّر مناخي ناتج عما فعله أهل الأرض في طبقة الأوزون من وخرق وخراب؟
ويحيل كثير من أهل الدين والدعوة الأمر إلى معاصي الناس، وهنا أيضًا يتساءل الناس، قائلين:
هل المعاصي الفردية أم المعاصي الجماعية الكارثية التي غرقت بها الأمة “من ساسها إلى راسها”؟ فمثلًا نجد أن 70% من استخدامات المياه في (تل أبيب) تُسحب من مخزون مياه الضفة الغربية ، وأن الفلسطينيين يُمنعون من حفر أي بئر تصل إلى مياههم في الضفة، فقد نصت اتفاقية أوسلو على أن قضية المياه من الأمور المؤجلة، ولم يحن الوقت حتى الآن لحصول الفلسطينيين على حصتهم من المياه، ولا على عُشر هذه الحصة، وبقيت كمية المياه التي يحصل عليها الفلسطينيون من سنة 1967 إلى اليوم تحت رحمتهم، وباتت المستوطنات تنعم بالمياه بوفرة تكفي لريّ حدائقهم، وملء مسابحهم، في حين القرى والمدن الفلسطينية يقتلها العطش، وقد قُدرت حصة المستوطن بعشرة أضعاف حصة الفلسطيني على أقلّ التقديرات، وفي قطاع غزّة خرب الاحتلال الخزان الجوفي قبل خروجهم من القطاع، عبر استنزافه وسحبهم لمياهه التي كانت تفوق تغذيته من مياه الأمطار الموسميّة.
فهذه أمّ المعاصي التي جعلتنا في حالة شديدة من العطش، ولم تتوفّر المياه للزراعة، فقط تتوفّر بشحّ شديد للاحتياجات المنزلية، سواء أمطرت الدنيا أم لم تمطر، فهل نركّز على معاصي الناس الفردية، ولا يجري ذكر هذه الكبيرة التي هي السبب الرئيس في عطش الناس؟
ما المطلوب؟
كيف نضع أيدينا على الخلل وما سبيل الخلاص؟
لو كان الوضع صحيًا لتداعى حكماء وحكام الناس ليتدارسوا الأمر، ويخرجوا بالتوصيات المطلوبة لتصويب أوضاعنا، ولوضعت هذه التوصيات للتطبيق السريع والمباشر حتى يغير الله أحوالنا، فتكون توبة الأمة الشاملة التي من شأنها أن تصوّب الأوضاع.
إنّ من أكبر المعاصي عدم تطبيق منهج الله، وثانيها فساد النظام السياسي والاقتصادي للأمة، وثالثها انتشار الفساد وغياب العدل وقيم الحرية والكرامة.
وهناك مفسدة عظيمة، وهي الاستعمار الجديد الناعم، وهو السيطرة على عقول الناس، وفتح الأسواق لبضائع مستعمرينا المادية والفكرية، عبر شبكة الإنترنت التي تسيطر عليها القوى المستكبرة والمستبدّة في هذا العالم.
والمطلوب على الأقل في حال غياب هذا الإصلاح الشامل، دعاء المضطرين المفتقرين المنكسرين بأن يرحمنا الله، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ومع هذا لا بدّ من الدعوة إلى إصلاح أوضاعنا كلها، والعودة التامة إلى دين الله الذي يصوب أحوالنا الكارثية ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
فلسطينيًّا لا بدّ من نفض أيدينا مما قرّرته اتفاقية أوسلو بخصوص المياه، وهذه القسمة المجحفة التي أدّت إلى سرقة مياهنا وبيعنا جزءًا يسيرًا منها، فهل يعقل على سبيل المثال أن تنهب مياه طبريا لريّ صحراء النقب؟ وأن يستخدم الخزان الجوفي للضفة في حاجاتهم الزراعية، وكذلك نهر الأردن في حين الضفة تتلظّى عطشًا في الصيف؟ الخليل مثلًا تأتيها المياه مرة كل شهر أو أربعين يومًا.
ولا بدّ من فضح جريمة الاحتلال في سرقته المياه الفلسطينية المستمرّة، واعتداءاته الصارخة عليها بطريقة جشعة إلى أبعد الحدود، والعمل على محاكمة الاحتلال على هذه الجريمة المفتوحة والمتواصلة.