بيت لحم– توافق اليوم الذكرى السنوية التاسعة عشر لاستشهاد القسامي محمد أبو عودة من مخيم عايدة بمدينة بيت لحم، والذي ارتقى بعد اشتباكٍ مسلح مع قوات الاحتلال أثناء اقتحام منزله في 02 شباط/ فبراير لعام 2004.
كانت فلسطين على موعد مع فارس عنيد بمولد محمد أبو عودة عام 1973، واحتفلت فلسطين باستشهاد عام 2004، تاركاً خلفه طفلين وثلاثة بنات.
ترعرع شهيدنا بين عائلة ملتزمة وبسيطة طباعها، فكان باراً بوالديه، ومطيعاً لأهل بيته، يحبه الجميع ويحب الجميع أيضاً، واختلف شهيدنا عن إخوته لبعد تميزه بالجرأة والقوة، والنشاط غير المحدود مذ نعومة أظفاره.
وبدأ شهيدنا المجاهد الصيام وهو ابن سبع سنوات، وحرص على صلاة الجماعة في المسجد وقراءة القرآن الكريم، ونهل شهيدنا من نبع الإسلام العظيم والدعوة الربانية المباركة، ومارس عمله الدعوي بكل تميز واقتدار.
مجتهداً في دراسته
كغيره من أبناء جيله أحب شهيدنا لعب كرة القدم، وأحب تربية الحيوانات الأليفة والطيور، وفي الدراسة كان مجتهداً يحترم مدرسيه وزملاءه في المدرسة، وكان أيضاً محباً لأصدقائه وللناس يلبي لهم ما يحتاجونه من مساعدة.
تعرض محمد للإصابة في الانتفاضة الأولى أثناء دفاعه عن مخيم عايدة، وبعد شفائه عاد للمشاركة في المواجهات مع جيش الاحتلال، ولم تثنه الإصابة عن سلك هذا الدرب، حتى أصيب مرة أخرى، ومن ثم قامت قوات الاحتلال باعتقاله.
خلال فترة التحقيق معه لم يستطيع جيش الاحتلال أخذ أي اعتراف منه، فقد كان صلباً جداً فحكموه بالسجن الإداري لمدة ست شهور، وبعد أن خرج من السجن عاد كما كان ولم يخيفه ظلمهم وجبروتهم، ثم عادوا واعتقلوه مرة أخرى، ولم يعترف لهم بشيء فحكموه بالإداري ستة شهور مرة أخرى، وخرج ولم يكن همه إلا الدفاع عن أهله ووطنه ودينه واعتقلوه مرة أخرى، وكانت التهمة جاهزة أمامه.
واشتعل غضب شهيدنا محمد بعد اقتحام شارون باحات المسجد الأقصى، وبدأت بالتحرك دون أن يدري به أحد، فكان الجميع يعلم أنه في عمله، وأنه كبر على المقاومة والجهاد، وأن أسرته كبيرة لا يستطيع تركها، ومضت السنة الأولى دون أن يعلموا بمشاركته في الانتفاضة وفي السنة الثانية منها بدأ يشعر من حوله بانشغاله بشيء دون أن يعرفوا عنه أي شيء، فقد كان كتوماً جداً.
مطارته من الاحتلال
بدأ جيش الاحتلال مطاردته للشهيد بعد وصفه بأنه آخر مجاهد في خلية الشهيد على علان، وبعد عملية الشهيد علي جعارة في القدس، والتي كانت انتقاماً لشهداء مجزرة حي الزيتون بغزة وقد أعلن الاحتلال أن محمد من يقف خلف الهجوم.
وخلال رحلة المطارة استشهدت شقيقته في هجوم لقوات الاحتلال على منزله بوابل من القذائف والرصاص، فهرع مسرعاً وأخذ شقيقته للمشفى على الرغم من تمترس جيش الاحتلال بالمكان، بعد استشهادها في المستشفى خرج في جنازتها وغادر مختفياً عن أعين الاحتلال والسلطة.
كان جيش الاحتلال يأتي تقريبا كل يوم لبيته ويعيثون فيه فساداً، وآخر مره قبل استشهاده بأيام، أخرجوا عائلته من البيت ومكثوا فيه عدة ساعات لوحدهم، ثم خرجوا ولم يعودوا، إلا في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك.
جاء محمد إلى منزله في الثاني من شهر شباط/ فبراير عام 2004، وأخذ كل الاحتياطات اللازمة، لكن بعد دخوله بعشرة دقائق تقريباً جاء جنود الاحتلال بسيارات عربية، وما هي إلا دقائق حتى امتلأ البيت بالجيش وحاصروا المنزل والمنطقة، فطلب محمد من زوجته النزول عند والدته مع الأطفال فرفضت في البداية أن تتركه، فودعها وودع أطفاله، وجهز نفسه لاستقبال مراده.
وصية قبل الشهادة
أوصى محمد زوجته بأن “إذا طلب جنود الاحتلال منك الصعود لأعلى فلا تصعدي سوف يستخدمونك درعا ولا أريد أن تصابي بأذى هي وجنينك بالشهر الثامن، وقال لن أسلم نفسي سوف أقاتلهم بكل ما أوتيت من قوه لن أدعهم”.
حينها خرج لهم محمد من مخبأه السري الذي لطالما بحثوا عنه فقتل أول جندي والثاني والثالث أمام الجميع، واستمرت المعركة، وسيطر القسامي محمد على الموقف، وهرب الجنود إلى خارج المنزل، ولحقهم محمد من فجوة حدثت من أثر الرصاص، وأكمل على من استطاع من الجيش، وإذا برصاصة تصيبه برأسه وسقط شهيداً فاستشهد واقفا كما تمنى، بعد أن قتل العديد منهم وأصاب الكثير.
وأطلق جنود الاحتلال عشرات الطلقات النارية على جسد الشهيد الطاهر حتى بعد وفاته، كي يتأكدوا بأنهم انتهوا من مهمتهم ومن الرجل الذي لم يجعلهم ينامون ليلهم الطويل خلال السنوات الثلاثة الماضية، وبقي وفيا لدماء رفاقه الشهداء والمعتقلين وخطط ونفذ عمليات أربكت العدو انتقاما لرفاقه.
ولم يكتفوا بذلك، فقرروا اعتقاله وهو شهيد، فتم وضعه على حمالة، حملها أربعة من جنود الاحتلال وهم خائفين مرتبكين، وساروا به بضع عشرات من الأمتار ليضعوه، في سيارة عسكرية، وجلس جنود الاحتلال على جانبي الحمالة يحرسونها.
حدد قبره مسبقاً
مثلما يحدث دائما فإن غريزة الانتقام والتدمير والتخريب تتحكم في تصرفات الصهاينة، فطلب جنود الاحتلال من أهل الشهيد إخلاء المنزل فورا وتم تلغيم المنزل وتفجيره من الداخل.
وكل هذا لم يؤثر في معنويات العائلة والأهالي الذين أخذوا بالتكبير، وبعد ثمانية شهور من المتابعة ورفع القضايا على الاحتلال، سلمت سلطات الاحتلال جثة الشهيد القسامي محمد أبو عودة لأهله كي توارى الثرى في المكان الذي أحب.
وهنا تذكرت أمه كيف نام محمد مسبقاً أمامها في القبر، وقال لها: انظري أمي إلى هكذا سيكون جسدي، أما روحي فليست هنا انظري أمي: هل مقاسه مناسبا لطولي؟”، وكان قد حدد مكان دفنه ولكن اليهود أرادوا اعتقاله، وعند تسليم جثمانه دفن حيث أراد، ونفذت وصيته.