لم تكن الخطوات الإسرائيلية باتجاه السودان و تشاد مفاجئة، وقبلهما دول عربية وإسلامية أخرى في قلب القارة الإفريقية، وإن اكتسبت نوعًا من الصدمة المشروعة.
ونحن نرى قادة عرب ومسلمين يزورون فلسطين المحتلة، و”يقتحمون” المسجد الأقصى بحماية الاحتلال، ويوقعون معه على تطبيع مهين لن يعود عليهم إلا بالويل والثبور وعظائم الأمور.
لكن التواصل الإسرائيلي مع هذه الدول ليس وليد اللحظة، فهو مستمر منذ سنوات، وإن كان بطرق سرية، بعيدة عن الإعلام، حتى إذا نضجت “الطبخة” المسمومة، آن أوان الكشف عنها، عبر ما رأينها من مشاهد مهينة ومؤسفة، شهدتها الخرطوم وتل أبيب.
مع العلم أن دولة الاحتلال عبر هذه الخطوات، تسعى إلى مدّ أذرعها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في القارة الإفريقية؛ ما كشف عن أدوار المال والاقتصاد في هذا الاختراق، والحصاد العسكري والاستخباري، ومحاولة الحصول على موطئ قدم وسط التنافس الإقليمي والعالمي على هذه القارة.
بدأ الاختراق الإسرائيلي لقارة إفريقيا بعد خمسة عقود على القطيعة معها عقب حرب 1973، لكن السنوات الأخيرة شهدت اتخاذ الاحتلال قرارًا إستراتيجيًا بزيادة حضورها في القارة، وتطوير علاقاتها مع دولها، وشكلت زيارات نتنياهو منذ 2016 للقارة ترجمة أكثر من واضحة لهذا القرار.
بلغة الأرقام ومن بين الدول الـ54 التي تتكون منها القارة الإفريقية، يقيم الاحتلال علاقات دبلوماسية مع أربعين منها، وعشر سفارات إسرائيلية تعمل فيها؛ وفي الباقي يوجد سفراء إسرائيليون غير مقيمين فيها دائمًا، في حين أن 15 دولة إفريقية لديها سفارات دائمة في تل أبيب، ويقف خلف هذا الاختراق المتنامي للقارة الإفريقية شعار أعلنه نتنياهو منذ سنوات، وأعاده أمام رئيس تشاد “ديبي”، ونصه “إسرائيل تعود إلى إفريقيا، وإفريقيا تعود إلى إسرائيل”.
مع التنامي التدريجي للاختراق الإسرائيلي في إفريقيا، تظهر جملة من المصالح والأطماع التي يسعى الاحتلال إلى تحقيقها، من أهمها زيادة العلاقات والتنسيق مع الدول الإفريقية في مجالات الأمن، والحرب على الجماعات المسلحة، وبناء البنية التحتية، واستخدام الموارد الطبيعية، والتكنولوجيا، وتقديم مساعدات في مجالات التكنولوجيا، والسايبر، والفضاء، والتطوير الزراعي، وتحلية المياه، وافتتاح خط طيران مباشر بين الدول الإفريقية وفلسطين المحتلة لتقريب العلاقات بينهما، وتقليل ساعات السفر لأميركا اللاتينية، وتوفير النفقات المالية، باستغلال الأجواء السودانية.
على الصعيد الدبلوماسي، يروج الاحتلال أمام الدول الإفريقية أنها بالتطبيع معه فإنه يمهد طريقها أمام الولايات المتحدة، و”فتح بوابتها” أمامها، فيما يأمل هو من الكتلة الإفريقية في الأمم المتحدة ووكالاتها الدولية أن تصوت بما يمنع اتخاذ قرارات معادية له، وعلى الرغم من أن الدول الإفريقية دأبت على التصويت ككتلة واحدة، لكن تل أبيب تلاحظ وجود تصدعات تدريجية بمواقفها، وباتت كل دولة تتخذ مواقف فردية.