يعتمد الاحتلال منذ عدة سنوات على سياسة أمنية ترمي إلى تفريغ الساحة الفلسطينية من المضمون الجماهيري، وإبعاد نقاط الالتقاء عن بعضها، و تجزئة كل الملفات بكل الطرق عبرهم أو عبر مساعدين محليين وإقليميين.
والهدف هو خصخصة واضحة للألم والوجع والمعاناة التي يتعرض لها الشعب بكل شرائحه، حتى يتسنى إبقاء التمزق الاجتماعي، وتشتيت العقل الجمعي للمواطنين، واستخدام الإسفنج الماص لتقليل الغضب.
ضمن هذه السياسة تندرج مؤسسات وأدوات وصولًا إلى برامج إعلامية وسياسية تهدف إلى تشكيل كيان وتكتل صغير يحجم الحدث، ويضعه ضمن المعايير التي تمنع تفجر الأوضاع أو التقاء الغضب العام، وتشكيل حالة ثورية قوية.
ومن أمثلة تلك المعادلة الأمنية ملف الأسرى في سجون الاحتلال، فبالتزامن مع العقوبات الجماعية المفروضة عليهم لعزلهم عن محيطهم وملاحقة من ينصرهم، بات الاحتلال يلعب على وتيرة الفصائل من جهة، وتصنيف الأسرى من جهة أخرى، فدخلت منظومة إضراب الجماعة والأفراد وتصعيد في سجن دون آخر، وإضراب وخطوات فصيل عن غيره، وبناء حالة عزلة بين أسرى أطفال ونساء وإداري ومؤبدات، الأمر الذي انعكس على الشارع الخارجي ليكون الاعتصام فقط لأسير مريض أو مضرب أو غيره من الخصخصة، والاعتصام يكون في زاوية للصليب الأحمر في إحدى المدن.
وفي ملف الاستيطان ومصادرة الأراضي استخدم الاحتلال ومؤسساته حالة ذهنية لترويض الشارع والمجتمع الدولي، باستخدام مصطلحات مناطق مصنفة “ج” بحسب أوسلو، وتارة محميات طبيعية، وأخرى شرقي القدس وغربي القدس وداخل الجدار وخارجه وقريب من الشوارع الالتفافية، وغيرها من المبررات التي التهم فيها الأراضي وخصخص الخسارة التي تعرض لها الأهالي وحجم غضب الناس وفرقه وشتته تحت مسميات دولية تارة ومحلية أخرى وقانونية ثالثة وهكذا، وخلقت بعض الجهات هيئات ضد الاستيطان، وهي محجمة جدًّا ولا ترتقي بالغضب.
وفي ملف احتجاز جثامين الشهداء الوجع المفتوح الذي يجعل الاحتلال فيه قلب أم الشهيد ينزف يوميًّا، دون أن تكون نصرتها عامة وكذا حالة المئات.
وفي ملف هدم المنازل حكاية التبرير للتشتيت؛ فهذا بيت مقاوم وآخر بدون ترخيص، وثالث مهدد للأمن، ورابع لفتح شوارع وغيرها، وهذا يجعل همه على حجم مأساته.
في المحصلة انتقل الاحتلال إلى تفريق الغضب بكل الوسائل ليفصل الداخل المحتل عام ١٩٤٨ عن القدس، عن الضفة الغربية، عن غزة، ويقتل وينفذ يوميًّا أخطر الجرائم وغطاء الوسطاء ومسكنات التهدئة وتفتيت البؤر المقاومة، في حين محاولة عزل الحاضنة عن المقاومة تتوسع وتتعمق.
إن لم يكن للفصائل الفلسطينية قرار قلب الطاولة، وتوحيد الغضب، ولم الشمل المقاوم، وتوجيه الشارع، سيكون رمضان القادم الأهدأ لصالح الاحتلال وأذنابه، فكل ما قام به هو استباقي لتفريغ المخزون الثوري من مضمونه، سواء ميدانيًّا كما استهداف أهالي المقاومين؛ أو معنويًّا كما يمنهج آلة إعلامه ومن تبعه وماكينة قتله.