ماذا أقرأ؟ ماذا تقترح عليّ من كتب؟.. سؤال سئلته كثيراً، ولا أملك له إجابة غالباً، فتجربة كل منّا تختلف، ورغائبه تتفاوت، وما يستهوي أحدَنا قد لا يستهوي الآخر.
تنضاف إلى ذلك النقطة التي وصل إليها المرء، فالمطالعة تراكم، والنقطة هذه ينظر أحدُنا إلى موقعها بناء على نظرته لمسيرته، وهذا الأخيرة ليست بالضرورة معياراً.
ثم إنني لا أكاد أذكر عشرة عناوين للوهلة الأولى حين تسألني عمّا قرأت، أذكر أنني في أحد الاعتقالات كنت أدوّن اسم كل كتاب أقرأه، واسم المؤلف، وعدد الصفحات، ومن أي قطع هو: كبير أو صغير أو ما شابه، و أردت اختبار ذاكرتي بعد العناوين، فلم أذكر سوى ٣٧ عنواناً من أصل ٨٧١ ، وهو أمر يعرفه كل القراء.
ويحمل السؤال أحياناً في طياته البحث عن الراحة، وكأن السائل سيحصل على عشرة عناوين، تنقله إلى دائرة الرضى والاكتفاء. وليس هذا حال كل سائل فأكثرهم يريد العون فعلاً في مسار المطالعة.
أضف إلى ذلك أن المرء يذكر آخر ما قرأ غالباً، وجوابه من هذه الزاوية، وهو ما لا ينفع سائلاً في بداية الطريق، وهو إن ذكر البدايات وأحصى عناوينها، فهو نادراً ما يوصي بها، فمع الوقت تنخفض القيمة المعرفية لها عنده، وينسى أنها جزء أصيل من تكوينه وأنها ضرورة مرحلة ولم يكن ليبني ما بعدها لولاها.
ومع ذلك لا يعدم المرء الإجابة، وهذا ما قد نفعله هنا لاحقاً، لكن الأهم أن الذي يسأل يجب أن يضع في خلده ما يأتي:
١- المسار طويل، والعمدة فيه على المراكمة.
٢- إياك أن تنقلب من باحث إلى مفكر بمجرد قراءة بضعة كتب ولا مئات منها.
٣- هناك فرق بين النشاط الأدبي والأدب، والنشاط الثقافي والثقافة.
٤- إذا شعرت بعد زمن من القراءة بترفع على من حولك، فاعلم أنك جهلت، فأهل العلم كلما ازدادوا علما ازدادوا تواضعاً. كلما قرأت أكثر كلما اقتربت من الشاطئ، وكلما اقتربت علمت أن أمامك بحراً عميقاً لا تحصيه ولن تحصيه.
٥- لا تلتفت لجمال الغلاف، ولا للعناوين الجذابة، واقرأ عن الكتاب وكاتبه نبذة صغيرة قبل قراءته، وابنِ بشكل متسلسل، ولا تستعجل القفزات.
٦- الأهم أن تعود نفسك على اقتطاع جزء يومي من وقتك للمطالعة ولو قلّ، حتى توطّن نفسك، وتصير صحبةُ الكتب لك أمراً لا تنفكّ منه.
٧- الروايات المميزة تعطي قيمة إضافية في مجالات اللغة والمصطلحات الأدبية والتعابير، لكنها تَسالٍ في نهاية المطاف، وهي جديرة بأن تكون استراحات بعد حزمة كتب معرفية، وأن لا تكون مادة القراءة الرئيسية فضلاً عن مادتها الوحيدة.
أخيراً، ينبغي أن تستقيم النية في الطلب، فإن صحّت كُفيت، وأن تنضبط بمنظومة أخلاقية وقيمية صحيحة حاكمة، ضمن هوية ثقافية تعتز بذاتها الجمعية ولا تنهزم أمام المتغلب، وإلا لم تزدك الثقافة إلا غروراً، وإلا تفلتاً، وإلا ضرراً.