لعل المظاهرات والاحتجاجات الإسرائيلية العارمة ضد رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قد كشفت ضعفه، وعملت على تقهقر حكومته، ولم يبق بيده إلا آخر ورقة يساوم ويراهن عليها، وهي المتمثلة في اقتحام المسجد الأقصى المبارك، سواء كانت من قبل قطعان المستوطنين، أو قوات الاحتلال، مع أن النتيجة واحدة وهي التقسيم المكاني والزماني لهذا الصرح الإسلامي لمصلحة اليهود الصهاينة، وقد يسوقها لجمهوره على أنه أحد أكبر الإنجازات السياسية التي حققها منذ توليه رئاسة حكومته المتطرفة، أو أنه يعدها ضمانة لإرجاع قدرة الاحتلال “الردعية”، ولكنه أمام هذا الفشل الذريع في تغيير الوضع القائم في الأقصى، بسبب تصدي المرابطين للقوات ومستوطنيه، فقد قرر نتنياهو وقف اقتحامات المسجد الأقصى المبارك حتى نهاية رمضان، وبذلك يكون قد أثبت أنه قادر على منع المقتحمين، ما يعني أنه كان يهدف إلى إشعال نيران التصعيد، بإعطاء الضوء الأخضر للمتطرف “بن غفير” وقطعان المستوطنين لمواصلة انتهاك حرمة الأقصى، وكل الأفعال الاستفزازية، وتنكيل قواته بالمصلين والمعتكفين ومنعهم من أداء الفرائض في الحرم القدسي.
نتنياهو لم يوقف اقتحامات المستوطنين وقوات الاحتلال إلا بعد أن مني بالهزيمة أمام صمود المرابطين الذين كانوا ولا يزالون يدافعون عن الأقصى وقد توحدت معهم كل الساحات الفلسطينية من الداخل والخارج، وإن إطلاق الصواريخ سواء كان من غزة أو لبنان أو سوريا، وقد تلت ذلك عدة عمليات فدائية في الأغوار و”تل أبيب” وغيرهما رداً على اقتحامات الشرطة والمستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ولعل إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي تمديد الإغلاق للضفة الغربية وقطاع غزة حتى نهاية عيد “الفصح” اليهودي، لهو دليل على عدم مقدرة سلطات الاحتلال السيطرة على زمام الأمور بعد انفراط سبحة “الردع”. وقد أكد هذا عاموس يادلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارت العسكرية للاحتلال “أمان” في تغريدة له، بفشل “قوة الردع” وسياسة “الاحتواء” التي تتبعها (إسرائيل).
فمن الواضح أن الاحتلال واقع في عدة أزمات سياسية وقضائية وأمنية واقتصادية، ويحاول خلط الأوراق بتصدير هذه الأزمات إلى خارج محيطه، فتارة يقتحم مدن وقرى الضفة، وتارة أخرى يقصف غزة، ولبنان وسوريا وعينه على إيران والكل عنده مستهدف، فليس مستبعداً على حكومة الاحتلال المتطرفة أن تقدم على تصرف غبي، مثل اغتيال قادة فلسطينيين -كما يهدد قادتها الأمنيون والعسكريون- لإثبات أنها قادرة على استرجاع “الردع”، أو أن تقوم بعمل عدواني هنا أو هناك، قد يكون عملاً عسكرياً محدوداً لا يتحول إلى حرب شاملة، في ظل تصدع جبهتها الداخلية، الأمر الذي دعا نتنياهو إلى الاجتماع مع لبيد رئيس المعارضة مرتين لإطلاعه على الأوضاع والاستعدادات القادمة، مع أن هذا الأمر لا يقلقه كثيراً، فمن المعروف أن جميع الأحزاب والقوى الصهيونية (يمين ويسار ووسط) تتوحد في شن العدوان على القطاع أو غيره من محور المقاومة، كما حدث في الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة في 2014، و2021.
ما أود قوله: إنه على الرغم من كل ما تعانيه (إسرائيل) من أزمات داخلية، وهشاشة “الجدار الحديدي” الذي بنته طول العقود السابقة، وبعد أن ثبت فشل كل الأساليب الردعية الأمنية والعسكرية، مثل: “جز العشب”، و”السور الواقي”، ونظرية “الاحتواء”، والأخير “كاسر الأمواج”، التي استخدمتها قوات الأحتلال الإسرائيلية ضد المقاومين دون جدوى، فإن نتنياهو الآن في موقف لا يحسد عليه، وعلى ما يبدو أنه يبحث عن أي فريسة لتصدير أزماته، لذا يجب على كل فصيل وكل مقاوم توخي الحذر والاستعداد لتهديدات الصهاينة.