توافق اليوم الذكرى السنوية الواحدة وعشرين لاستشهاد القائد القسامي علي منصور الحضيري (26 عاماً)، خلال اشتباكٍ مسلح مع قوات الاحتلال في مدينة نابلس، أسفر عن مقتل جنديين صهيونيين وجرح العشرات، بتاريخ 03 أيار/ مايو لعام 2002.
ولد الشهيد الحضيري في 28 نيسان/ أبريل عام 1977 بمحافظة طولكرم، وينتمي لعائلة تعود جذورها إلى مدينة يافا عروس البحر، والتي هُجّرت منها مع آلاف العائلات الفلسطينية عام 1948، وحطت رحالها في مدينة طولكرم، وتهتم عائلته بالعلم والدين.
ونشأ في كنف أسرى معروفة بالتزامها الديني، وكانت خطواته الصغيرة ترشده لمسجد “عثمان بن عفان” أقرب المساجد لبيته، برفقة والده وشقيقه الأصغر عامر، كما عرف صوم النافلة صغيراً ودنما إكراه، ولحبه للقرآن ورغم صغر سنه انضم لدورة للتجويد كمستمع في نفس المسجد، قبل الانضمام لها بشكل رسمي.
كان باراً بوالديه، ومحباً لأخيه وأخواته، عصوفاً عليهم ومتسامح، وكان صاحب نكتة وكثيراً ما كان يمازح والديه، وحريصاً على نيل رضاهما في كل ما يقوم به، حتى في آخر لحظات حياته.
ومهندسنا علي أكبر إخوانه الأربعة والشقيق الأكبر للشهيد القسامي عامر الحضيري، وله من الأخوات ثلاثة هن: أماني ومنى وعبير، الأولى مدرسة للرياضيات، والثانية مهندسة مدنية، والثالثة خريجة من جامعة النجاح بكلية تكنولوجيا المعلومات.
متفوق بدراسته
درس علي مراحله الأولى في مدرسة طه حسين بمدينة طولكرم، ثم انتقل بين مدارس “أجنادين” و”الأصمعي” و”الفاضلية”، حيث درس الأول الثانوي والتوجيهي، وكان متفوقاً في دراسته وحسن الخلق، ما جعله محبوباً بين زملائه.
وكان من أبرز الطلبة العاملين في الحركة الطلابية الإسلامية، وتتحدث إنجازاته عن أعماله أكثر من لسانه، فقد كان صامتاً ونشيطاً ومحبوباً.
اعتادت يداه الصغيرتان على حمل الحجارة في الانتفاضة الأولى ورميها على الجيبات الصهيونية رغم صغر سنه، ليعتقل قبل أن يكمل الثالثة عشرة من عمره، ويبقي نهاراً كاملاً في معتقلات الاحتلال، يلاقي ما يلاقيه من ضرب وترهيب على يدي الصهاينة، قبل أن يفرج عنه بتعهد شفوي من والده.
ولم يمنعه ذلك عن مواصلة المشاركة في فعاليات الانتفاضة، ليعاد اعتقاله وهو في الصف التاسع أثناء عودته من المدرسة، وكبر علي ونما في هذا الجو المفعم برائحة المقاومة، واعتقل خاله نضال سليمان ناصيف الذي كان مطلوباً لقوات الاحتلال.
الاعتقال بتوجيهي
تعرض علي للاعتقال مرة أخرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي أثناء تقديمه لامتحان الثانوية العامة، ورغم التعذيب القاسي لم يعترف بأي من التهم التي وجهت له، وتنقل في اعتقاله الذي استمر 40 يوماً للعديد من المعتقلات.
وكانت تجربة الاعتقال مدرسة جديدة بالنسبة لعلي، وفيها ازداد إيماناً وصلابة وقوة، ودرس أحكام التلاوة والتجويد داخل السجن، وتم الإفراج عنه بعد قدوم السلطة وتحديداً بتاريخ 6/1/1996م.
بعد الإفراج عنه عاد إلى مقاعد الدراسة ليكمل مشواره الأكاديمي، وأعاد تقديم امتحانات الثانوية العامة في الفرع العلمي، وحصل على معدل 87.5%، ومن ثم التحق بكلية الهندسة في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، والتي خرجت في انتفاضة الأقصى أكثر من عشرة استشهاديين وعشرات الشهداء.
ومن أول أيامه في جامعة النجاح الوطنية عمل “علي” في صفوف الكتلة الإسلامية الجناح الطلابي في الجامعات لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وتخصص في الهندسة المدنية، وكان من بين المتفوقين على مستوى كليته.
وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى في 27/9/2001 بدأت قوافل الشهداء تتوالى وغادر “علي” الكثير من الشهداء والاستشهاديين الذين كانت تربطهم به علاقة وطيدة، فهذا الاستشهادي حامد أبو حجلة ابن كلية الهندسة يغادرهم شهيدا بعد عملية استشهادية في مدينة “أم خالد”، يليه هاشم النجار ومؤيد صلاح الدين وقيس عدوان والقافلة تطول وتطول.
بذرة الاستشهاد
تحركت بذرة الاستشهاد في قلب “علي” إلى أن جاءت الحادثة المزلزلة على نفسه، رفيق دربه وشريك طفولته وشق توأم قلبه شقيقه الأصغر “عامر” يغادرهم شهيدا في 5/8/2001، عندما قامت طائرات الأباتشي الصهيونية باغتياله بعدما قصفت سيارته بثلاث صواريخ، أثناء ذهابه من منزله إلى المسجد الجديد في المدينة لأداء صلاة العصر، ليترك الصاروخ الأول عامر وقد تفحمت جثته، ولتجهز الصواريخ الباقية على بقية السيارة.
كان استشهاد عامر نقطة تحول خطيرة وأهم منعطف في حياة علي، وهنا وبعد طول انتظار وجد علي أن الفرصة مناسبة لانضمامه لكتائب الشهيد عز الدين القسَّام الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية “حماس”، لم يكن أحد بعلم عن عمل علي في صفوف القسَّام، حتى آخر أيامه.
في ليلة كان علي يختبئ مع مجموعة من قيادات القسَّام في الضفة الغربية في أحد البنايات في مدينة نابلس والواقعة على شارع غرناطة، كان منهم القائد القسامي الشهيد: علي علان من بيت لحم، والشهيد القسامي القائد مهند الطاهر، والشهيد القسامي عماد دروزة، وفي منتصف الليل قامت وحدات كبيرة من القوات الصهيونية تقدر بخمسين آلية حسب شهود العيان بتطويق العمارة التي اختبأ بها المجاهدون، ودارت رحى معركة شرسة غير متوازنة.
وكان قرار أمير الكتيبة القسامية أن ينسحب المجاهدون من الموقع، وهنا طلب علي من القائد أن يغطي عليهم انسحابهم، وبعد إلحاح كبير من علي نزل القائد عند طلبه، ووقف علي كالسد المنيع، يحاكي بطولة الصحابي الجليل “سلمة بن الأكوع” الذي بقي يناوش جيشا كامل من كفار قريش، وبقي علي يسطر بطولاته القسَّامية إلى أن انسحب إخوانه من الموقع، وحور الجنة تنتظر زفاف فارسها الموعود.
وسط اشتباك مع قوات الاحتلال اتصل بوالدته فجر يوم الجمعة 03 أيار/ مايو 2002 قائلا: لقد قتلت اثنين من الصهاينة، ها هم أمامي الآن مجندلين، جرحنا منهم العشرات يا أمي، ادعوا لي وارضوا عني، لقد حان وقت الشهادة يا أمي، لحظات وسأكون في الجنة، ادعوا لي وارضوا عني، فما كان جواب والديه له إلا “الله يرضى عليك الله معك ولا يهمك شيء” يحوطانه بالرضى والدعاء، وعيونهما بالبكاء حتى انقطع الاتصال.