تشير مجلة “ذا إيكوموميت” البريطانية إلى أن أبرز تهديد لكيان الاحتلال العنصري في القرن 21 هو الانقسامات الداخلية، وأن (تل أبيب) ستواجه مسلسلاً لا ينقطع من التهديدات في العقود المقبلة.
وقالت المجلة واسعة الانتشار: إن “الاضطرابات الجارية منذ بضعة أسابيع تعد أحد هذه المؤشرات”، مضيفة أن “هناك أزمة دستورية بشأن استقلال القضاء أثارتها حكومة بنيامين نتنياهو الموغلة يمينياً”.
وبحسب المجلة فإن “قواعد النظام القديم الذي تقوده الولايات المتحدة يجري تمزيقهُ، ولا سيما بعدما أبرمت السعودية وإيران والصين صفقات جديدة صادمة”.
ويرى كثير من المحللين الغربيين أن هناك خطراً جدياً مُحدِقاً يُهدد بقاء كيان العدو، وأن واحداً منها يكمن في أن الانقسامات الداخلية ستستنزف قوته، وأنه مقدم على حرب أهلية أكيدة بين أخلاط لا يجمعها غير المصالح التي باتت تحت مخاطر جِدّية مُكلفة.
ويرى خبراء صهاينة أن العقد القادم سيكون محطة لاختبار مرونة الكيان من خلال اتجاهات جديدة، أولاً من خلال الديموغرافيا، فمن الممكن أن يرتفع عدد المستوطنين إلى الضعف عام 2065 –إذا افترضنا بقاء دولة الاستيطان– لكن هذا الارتفاع الذي يبدو في البلدان الطبيعية إحدى الفُرص، لكنه في الحالة هذه سيكون عاملاً خطيراً لأنه في الغالب سيزيد الانقسامات بين المستوطنين، وسيكون عاملاً لتفكيك بنى النظام السياسي، كما سترتفع نسبة الأصولية اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة، التي لا تحبذ العمل، أو أداء الخدمة العسكرية، أو الالتحاق بالمدارس التقليدية التي نسبتها توازي 13% الآن لتصل إلى 32% عام 2065 .
هذا الارتفاع وحده سيزيد من عوامل الاحتقان، والتحول الآخر يتصل بالمتغيرات على المستوى المحلي وما باتت تشكلهُ المقاومة الفلسطينية وقدراتها المتنامية والمنظمة، وتقاسم الأدوار بين حاضنتها الجماهيرية، كان ذلك في ضفة أحراش يعبد، أو في القدس ومن مرابطيها، أو تحرُّك الفرسانِ المنغرسين في التراب الوطني في فلسطين المحتلة عام 1948، وفي حصن المقاومة المباركة في غزة العِزّة والذُخر الإستراتيجي للحركة الوطنية الفلسطينية.
وهناك تطور له أبعاده المهمة جداً هو ظهور عالم متعدد الأقطاب، بدأت تُخومه تظهر جليةً بعد الاندحار المذل الأمريكي وحلفائه في حلف النيتو من كابُل بعد عشرين عاماً، والتحالفات الوطيدة الجارية بين روسيا والصين وإيران وغيرها من جهة، وحلف أركان المقاومة التي تحاصر جيش المستوطنين الفاشي.
وهناك المسار السياسي الذي بدأت حلقاته تضيق وتتسارع حول خناق (تل أبيب)، حيث يضعف الدعم الشعبي لحلفاء الاحتلال التقليديين في بريطانيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة التي كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالمستعمرة غير الشرعية والمؤقتة عام 1948، وأمدتها بكل أسباب الحياة والمنعة، وبريطانيا التي “اخترعت” عصابات القتلة وأسست جيشاً له دولة، والمفارقة أن التفاعلات التي تجري في لندن اليوم حيث يتقدم حزب العمال على حزب المحافظين، وتُشكلُ التطورات في الشرق الأوسط وفي القلب منها القضية الوطنية الفلسطينية واحدة من أبرزها.
واليوم فإن واحداً من كل أربعة يهود أميركيين يقول إن دولة المستوطنين هي كيان فصل عنصري، فكيف يكون عليه حال مجموع الأمريكيين؟ وهو وضع يزداد فيه انزياح فئات اجتماعية كبيرة لمصلحة القضية العادلة للشعب الفلسطيني لدى الغربيين عموماً، وهذا شاهَدهُ الجميع حين خرج ملايين الأوروبيين والأميركيين إبان العدوانات الصهيونية الدموية على الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في قطاع غزة والقدس والضفة الفلسطينية المحتلة.
هذه المتغيرات تفعل فِعلها على الواقع الذي يعيشهُ المستوطن الصهيوني، الذي ظهرت ارتداداته حين لم يجد الناخب في الكيان سوى قتلة ولصوص وفسدة ومُرتشين لقيادة حكومة نازية لتجمعات متعددة الألوان، والأهواء ذاهبة نحو الجحيم.
البروفيسورة إيس بريزيس من كبار الاقتصاديين في الكيان تكشف أن إدارة الاقتصاد تجري وفقاً لــــ “حرب المصالح”، وأنه ذاهب إلى فوضى اقتصادية، ستنعكس على بناه كاملة”.
المحاضرة في جامعة بار إيلان، ورئيسة مركز عزرائيلي للسياسة الاقتصادية، تقول إن هناك تداعيات كبيرة وخطيرة من جرّاء التعديل الاقتصادي الذي تدفع به حكومة نتنياهو.
ولفتت إلى أن التعديل القضائي مرتبط بذلك وتدفعه “حرب مصالح”، مشيرة إلى أن هناك عائلة وحيدة في الكيان تقرر ما يجري وتضم “الملك والملكة والأمير”.
وأضافت: “بسبب هذه السياسة المتبعة فإننا اليوم ندفع الثمن”، وتتابع أن “الأمر الذي يريدونه هو ألّا يكون هناك محاكمة، لأن هدفهم البقاء في السلطة ونقلها من الأب إلى الابن وهناك أدلّة كثيرة”.
وتختم البروفيسورة حديثها بأن (تل أبيب) تواجه أوضاعاً متفاقمة، وبأنها مُتشائمة، وأن التجمع الاستيطاني مجروح ويصرخ “وفي اليوم الذي لا يُسمع فيه صراخنا، فإن هذا يعني أننا متنا”.
أما مستشار إدارة أزمات يُدعى رونن تسور فقد صرح بأنه بعد الأحداث التي تتفاعل في الكيان في الأشهر الأخيرة دفعتها إلى التَّحوّل إلى جسم مُسَمَّمٍ ولا أُفق للاستشفاء.