تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان وحزبه أعتقد أنها نجحت في تطبيق المقولة التي كانت أساس التقدم الذي تشهده اليابان التي قالها امبراطورهم ونقلتهم من الهزيمة والتخلّف بعد الحرب العالمية الثانية إلى هذا النجاح الذي تشهده، لم تكن خطبة عصماء ولا شعارات ناريّة إنما هي جملة واحدة:
“خذوا عن الغرب وتجاوَزوه ”
اليوم أردوغان يثبت للغرب أنه لم يكن تبعًا له، وإنما قد تجاوزه وأصبح النموذج التركي نموذجًا عالميًا وماركة مسجّلة لا يمكن أن يماري فيها أحد، فالديمقراطية ليست حكرًا على الغرب ولا هم المعلم فيها ونحن التلاميذ، بإمكاننا أن نصنع ديمقراطيتنا بأيدينا. بالفعل كان عرسًا حقّق فيه الأتراك حكومة وشعبًا انتخابات حرّة واختاروا رئيسهم بالطريقة الديمقراطية الصحيحة.
وأمام هذا المشهد التركي الحضاري الجميل يقف العربي في حالة يرثى لها، ما الذي ينقصنا كي نفعل ما فعله الأتراك؟ فما بين أن يفوز الحاكم العربي بنسبة %99.99، وبين فوز الرئيس التركي بنسبة 53% مسافة طويلة هي بالذات المسافة بين صندوق الاقتراع العربي والصندوق التركي، ما بين الحقيقة والوهم، ما بين التطبيق الصادق والأمين وبين اللف والدوران وسرقة خيار الشعب جهارًا نهارًا.
نحن العرب نغبط ونبارك ونأمل عندما نرى دولة من عالمنا الإسلامي تنجح في التجربة الديمقراطية خاصة هذا النجاح الباهر وفي الوقت ذاته يرتدّ بصرنا وهو حسير على تجاربنا الفاشلة بامتياز، ويبقى هذان السؤالان مُعلَّقين في سمائنا العربية: متى وكيف نصل إلى ما وصل إليه الأتراك وغيرهم من أصحاب التجارب الديمقراطية الناجحة؟ هل نأخذ بهذه المقولة اليابانية: ” خذوا عن الغرب وتجاوَزوه” أم أننا مصرّون على التبعية العمياء المطلقة فاقدة السيادة والقرار، إذ لا يوجد من معسكر الأعداء من يريد لنا أن نختار حكامنا بحريّة، عندئذٍ سوف نحقّق الاستقلال التامّ عنهم، السياسي والاقتصادي وبالتالي لن تبقى أسواقنا مفتوحة على مصراعيها لهم، ولن تبقى سياستنا تدور في أفلاكهم، كلمة “تجاوزوه” فيها يكمن السرّ، إذ تعني التنافسية ودخول السباق من منطلق الاعتداد بالذات وصناعة نجاحاتنا بأيدينا وفي سياقاتها الصحيحة، وهذا يعني الخلاص من التبعية وتحقيق الاستقلال الحقيقي والحرية لشعوبنا، وبالتالي القدرة على إجراء انتخابات حرّة ونزيهة.
والحضارة الإنسانية هي امتداد طبيعي وتأتي بناء على من سبقنا، فهم أخذوا منّا وبنوا على ما وصلت إليه الحضارة العربية الإسلامية وقت ازدهارها، واليوم أن نأخذ ما وصلوا إليه هذا أمر لا بدَّ منه وفيه استمرار للصعود الحضاري الإنساني المطلوب، ولكن يبقى كيف نأخذ وماذا ومن منطلق التبعية أم من موقع السيادة والحريّة والاستقلال؟
شعوبنا العربية تريد ذلك وتتمنى أن يأتي هذا اليوم، ولكنها ما تزال لا تفعل الفعل المطلوب، ولا تجد من يقودها في هذا المسار الذي ينقذنا من سطوة الحكم الشمولي والديكتاتوريات الفاشلة.