فيما يواصل المستوطنون المدججون بالأسلحة، والمعبؤون بالتطرف والعنصرية، هجماتهم في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، على القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة المحتلة بحرق بيوتهم وسياراتهم والاعتداء على أهلها العزّل، بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلية، كما فعلوا قبل أيام في بلدة ترمسعيا في شمال مدينة رام الله، فقد عادوا من جديد لتكرار هجماتهم على البلدات الفلسطينية بإحراق المصاحف وتمزيقها بعد أن اعتدوا على أحد المساجد في قرية عوريف بنابلس، وعاثوا فيه خرابًا وتدنيسه مصطحبين معهم الكلاب استخفافًا بمشاعر المسلمين، ليمتد إرهابهم وإجرامهم إلى بلدات وقرى أخرى، في سوريف، وبيت فوريك، وعورتا، وصب اللبن، واللبن الشرقية، والساوية، وزعترة، وياسوف، ودير شرف، والخليل، وأم صفا شمال غرب رام الله.
إن هذه الجرائم تذكرنا بمشهد بلدة حوارة جنوب نابلس في 26 شباط الماضي، حين ارتكبت قطعان المستوطنين جرائم قتل وإحراق عشرات المنازل ومئات المركبات للمواطنين الفلسطينيين، بل إن جرائم الصهاينة ممتدة على طول تاريخهم في فلسطين، فهذه ليست المرة الأولى لاعتداءات الصهاينة على دور العبادة والمساجد، ففي كل يوم يُقتحم المسجد الأقصى المبارك من المستوطنين وقوات الاحتلال، فيدنسوه وينتهكون حرمته ويعتدون على المصلين بهدف إفراغه وتقسيمه، كما سبق وأن أقدم الصهاينة على إحراقه في عام 1969، ولم تكن سياسة هدم المساجد بمنأى عن عبث الصهاينة، فمنذ نكبة 1948 واحتلال اليهود لفلسطين هدم 32 مساجدًا (المصدر: الجزيرة مباشر)، خاصة في القرى التي دمرت، أو تحويل بعضها إلى كنس أو حظائر للأبقار أو متاحف أو مقاهي وخمارات، فبحسب دراسة أعدها رئيس لجنة الحريات بلجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، الشيخ كمال الخطيب، أفاد بأن (إسرائيل) هدمت ما يقارب الـ539 منزلًا، وحولت 15 مسجدًا كنائس ومعابد لليهود، و40 مسجدًا هُدمت أو أُغلقت أو باتت مهملة، إضافة إلى تحويل 17 مسجدًا إلى حظائر للأغنام والأبقار أو مطاعم وخمارات ومتاحف ومخازن.
وفي حروبه المتلاحقة على غزة يتعمد الاحتلال قصف المساجد -بحسب تقرير المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)- فقد دمر الاحتلال 32 مسجدًا في عدوان 2008-2009، وفي عدوان 2014 دمر الاحتلال 73 مسجدًا تدميرًا كليًا و205 جزئيًا وتضررت كنيستان وهدمت أسوار عشرة مقابر ودمرت ست مؤسسات زكاة، وفي عدوان 2021 على غزة دمر الاحتلال 3 مساجد و40 مسجدًا بشكل بليغ.
الواضح من كل هذا أن قوات الاحتلال تشارك المستوطنين في إشعال حرب دينية، بل أنها سباقة في هدم المساجد، فلم يجرؤ المستوطنون على هذه الجرائم إلا بتوفير غطاء حكومي، وحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تتبادل معهم الأدوار، ليقتلوا ويصيبوا ويحرقوا ويدمروا ويرهبوا ويعيثوا في الأرض فسادًا، ولا يزالون يواصلون إرهابهم وهمجيتهم باقتحامهم المتواصل للمساجد والعبث بمحتوياتها وتمزيق المصاحف وحرقها بشكل متعمد ومقصود، لأنهم أفلتوا من الحساب والعقاب، ولا تسري عليهم أي أحكام قضائية لدى الاحتلال، لازدواجيته في التعامل مع المستوطنين.
واضح أن حكومة الاحتلال المتطرفة هي التي تشجع المستوطنين على مواصلة جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، فتارة تشرع تسليحهم، وتارة أخرى تؤمن لهم المواصلات بنقلهم إلى المناطق الفلسطينية، وفي الغالب تكون لهم عونًا في مواصلة جرائمهم ضد الفلسطينيين، كيف لا وهي تشرع في بناء المستوطنات وترصد لها ميزانيات طائلة، كان آخرها قرار نتنياهو ببناء ألف وحدة سكنية في مستوطنة “عيلي” المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فلماذا لا يستمر قطعان المستوطنين في قتل وإحراق المساجد والمزارع والمنازل، لطالما لم يجدوا أحدًا يوقفهم عند حدهم؟ فمن أمِن العقاب أساء الأدب، فالمستوطنون لا يجدون من يردعهم ولو مرة واحدة حتى لا تتكرر جرائمهم، وهنا لابدَّ من الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية لدى السلطة، على الرغم من كثرة أعدادها، إلا أنها تقف متفرجة ولا تحرك ساكنًا وكأن الأمر لا يعنيها بالمطلق، بل إنها تقمع الشعب إن هب دفاعًا عن كرامته وأرضه، وهذا يفسر لنا لماذا يتجرأ المستوطنون بالاعتداء على بيوت الفلسطينيين؟
ما من شك أن جبن وتخاذل السلطة المتمسكة بالتنسيق الأمني، هو الذي أوصلنا إلى كل هذه المواصيل من الذل والمهانة، وقد أدى هذا إلى تشجيع المستوطنين على مواصلة إرهابهم وعلى الجرأة أكثر على المقدسات والأرضي الفلسطينية والدم الفلسطيني، لا أقول منذ توقيع اتفاقية أوسلو أو منذ اقتحام الضفة ومحاصرة أبو عمار في مقره بالمقاطعة برام الله، فعلى الأقل منذ حرق محمد أبو خضير من شعفاط بالقدس المحتلة وبعدها حرق عائلة دوابشة من قرية دوما بنابلس، ومنذ أن شكل المستوطنون جماعات إرهابية (تدفيع الثمن) تحت حماية جيش الاحتلال في حين تواصل قوات السلطة التعاون معه.
الكل يعلم تواطؤ حكومة الاحتلال العلني مع المستوطنين، ولا من موقف عربي وإسلامي ودولي يلزمها عند حدها، أو على الأقل تفعيل مجلس الأمن الدولي لقراراته الخاصة بحقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تدين الاعتداءات على المدنيين ومقدساتهم تحت الاحتلال. وفيما يخص الشأن الفلسطيني فهو أيضًا مطالب أكثر من غيره في أخذ زمام المبادرة للتخلص من تلك الاتفاقية المجحفة وتبعاتها وصولًا بالتعاون الأمني الملعون، فالأمر أصبح واضحًا وضوح الشمس، فلا يحتاج الأمر لتذكير الجميع بأن (ما حك جلدك مثل ظفرك)، بضرورة العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني والتصدي للهجمة الصهيونية على المساجد.