كتبه: منير شفيق
كان صباح الثالث من تموز/ يوليو شديد الخطورة على مستقبل المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وقد حمل في بوادره الأولى حرباً تهدّد ميزان القوى الذي ترسّخ في السنوات الثلاث، بعد حرب سيف القدس.
اختلف الهجوم الاقتحامي الواسع الذي بدأ فجر ذلك اليوم، عن الهجمات التي تعرّض لها مخيم جنين، أو عرين الأسود في نابلس. ففي هذه المرة، لم تكن عملية تعتمد على تشكل المستعربين لإنجاز اغتيال، أو تحقيق ضربة خاطفة، قد تكون مؤلمة ولكنها غير ذات تأثير على ظاهرة القاعدتين المسلحتين في مخيم جنين ونابلس.
فالعمليتان اللتان ارتقى في كلٍّ منهما عشرة شهداء، و12 شهيداً، على التتالي، أسفرتا عن تعزيز لظاهرة النواة المسلحة علناً، سواء أكان عن طريق ما وقع من مقاومة، أم كان في الجنائز، أم في مواقف الأمهات المذهلات في عظمتهن في توديع الشهداء، أم كان في اندفاع العشرات من الفتيان/ الشباب إلى انتظار دورهما في حمل السلاح الناري.
خريطة المقاومة المسلحة أصبحت تشمل إلى جانب قاعدة المقاومة في قطاع غزة؛ مخيم جنين، وعرين الأسود، والمسجد الأقصى، وبهذا، أصبح المساس بقطاع غزة، أو مخيم جنين، أو عرين الأسود، أو المسجد الأقصى؛ خطوطاً حمراء، ومن ثم يعني تهديد أيّ منها، تهديداً جدياً، اختراقاً لخط أحمر مما يؤدي إلى اشتعال الوضع كله
الهجوم، هذه المرة، اتسّم بعملية عسكرية يقوم بها لواءان -في الأقل- من القوات المسلحة بالآليات المجنزرة والطائرات، ومئات المصفحات وتحت قيادة هيئة الأركان مباشرة، كما هو الحال في الحرب. ولهذا كان لا بد من أن يذهب تقدير الموقف، والحالة هذه، إلى توقع هجوم احتلالي للمخيم، وعمليات قضاء على المقاومين، وكل البنى التحتية للمقاومة، ثم تدمير مخيم جنين الذي اجترح ظاهرة البروز بالسلاح علناً، والتحدي المذل للاحتلال.. هذا المخيم الذي ثبت على سلاحه، وتفشى لينقل “عدواه” إلى كل الضفة الغربية، وحتى القدس. ومن ثم دخل الوضع الفلسطيني بأسره في الداخل، في مرحلة جديدة من الاشتباك، وقواعد القتال، كما في حالة موازين القوى في المواجهة مع الكيان الصهيوني. وهو ما كانت حرب سيف القدس قد مهّدت له في توسيع حدود المقاومة في قطاع غزة، لتشمل القدس.
وها هي ذي كتيبة جنين، ومعها عرين الأسود، ثم تململ طولكرم، وصولاً إلى مخيم عقبة جبر في أريحا. وبهذا يوسّع البيكار ليشمل الضفة الغربية، ومن ثم ليكرّس نظرية وحدة الساحات على مستوى الداخل الفلسطيني.
إن خريطة المقاومة المسلحة أصبحت تشمل إلى جانب قاعدة المقاومة في قطاع غزة؛ مخيم جنين، وعرين الأسود، والمسجد الأقصى، وبهذا، أصبح المساس بقطاع غزة، أو مخيم جنين، أو عرين الأسود، أو المسجد الأقصى؛ خطوطاً حمراء، ومن ثم يعني تهديد أيّ منها، تهديداً جدياً، اختراقاً لخط أحمر مما يؤدي إلى اشتعال الوضع كله.
وبعبارة أخرى، أصبحت الخطوط الحمراء محدّدة ومعرّفة، وغدا انتهاك أيّ منها على شكل هجوم عسكري يتهدّد وجوده منفرداً، يشكل تهديداً فورياً لكل المقاومة المسلحة في فلسطين. وهذا يشمل أيضاً تغيير الواقع القائم في المسجد الأقصى، مثل فرض التقسيم المكاني والزماني للصلاة فيه.
لم يكن من المسموح به تحت أيّ ظرف من الظروف أن يتمكن الجيش الصهيوني من إنهاء المقاومة المسلحة في مخيم جنين؛ لأن من شأن ذلك أن يُحدث نكسة في وضع مقاومة الاحتلال في الضفة الغربية. وبهذا يعاد عقرب الساعة إلى الوراء بعودة الاحتلال، بعد أن أصبحت الضفة الغربية أرضاً معادية لا تحتمل وجوده، ولا يستطيع أن يدخل إلى أيّ نقطة مقاومة فيها إلاّ تسللاً، أو باستخدام القوّة السافرة
لهذا، هدّد الهجوم الصهيوني في الثالث والرابع من تموز/ يوليو على مخيم جنين، أحد الخطوط الحمراء الرئيسية في المعادلة الراهنة من الوضع الفلسطيني، كما هدّد بتغيير ميزان القوى الراهن، بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، الأمر الذي جعل الردّ من جانب الغرفة المشتركة في قطاع غزة على الأجندة، أو على نار حامية.
فلم يكن من المسموح به تحت أيّ ظرف من الظروف أن يتمكن الجيش الصهيوني من إنهاء المقاومة المسلحة في مخيم جنين؛ لأن من شأن ذلك أن يُحدث نكسة في وضع مقاومة الاحتلال في الضفة الغربية. وبهذا يعاد عقرب الساعة إلى الوراء بعودة الاحتلال، بعد أن أصبحت الضفة الغربية أرضاً معادية لا تحتمل وجوده، ولا يستطيع أن يدخل إلى أيّ نقطة مقاومة فيها إلاّ تسللاً، أو باستخدام القوّة السافرة. وبهذا تصبح نصرة مخيم جنين قراراً حتمياً لا يقبل الجدال، وإلّا تعرض الوضع كله، بما في ذلك في قطاع غزة، تحت المثل المشهور: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.
من هنا كان موقف الغرفة المشتركة (وأساساً حماس والجهاد) صحيحاً بوضع الإصبع على الزناد، وانتظار مدى قدرة المقاومة والشعب في مخيم جنين، مع نصرة التحركات الشعبية أو العمليات الفردية، على الصمود ودحر الهجوم، بما يُعفي من إشعال النار في السهل كله.
وبالفعل كانت المقاومة المسلحة في مخيم جنين مؤلفة من كتيبة جنين، ومن كتائب عز الدين القسّام، ومن كتائب الأقصى، ومن مبادرين شباب أو من فصائل مقاومة، عند الثقة الشديدة بعزيمتهم وقدراتهم، وصمودهم، وذكائهم، وإبداعهم، كما الثقة بالشعب الأصيل، قد تم إنزال الهزيمة بالهجوم العسكري الاستثنائي، من حيث عديده وآلياته وتصميمه على اكتساح المخيم، وذلك بقوات لا مثيل بحجمها، منذ الهجوم على مخيم جنين وجنين عام 2002.
عندما أفشلت المقاومة هدف اقتحام كل مخيم جنين، واجتثاث المقاومة منه، جعلت العدو يتراجع عن هدفه الأول، ويحدّد هدف الهجوم بما هو دونه من أهداف، مع تأكيد نتنياهو بأنه هجوم واحد من سلسلة هجمات ستليه لاحقاً، الأمر الذي يسمح بالقول إن الهجوم فشل، وأن المقاومة والشعب الشجاع في المخيم، قد انتصرا
عندما أفشلت المقاومة هدف اقتحام كل مخيم جنين، واجتثاث المقاومة منه، جعلت العدو يتراجع عن هدفه الأول، ويحدّد هدف الهجوم بما هو دونه من أهداف، مع تأكيد نتنياهو بأنه هجوم واحد من سلسلة هجمات ستليه لاحقاً، الأمر الذي يسمح بالقول إن الهجوم فشل، وأن المقاومة والشعب الشجاع في المخيم، قد انتصرا، أو خرجا مرفوعي الرأس، مما سيفتح، بدوره مرحلة أعلى من مراحل الاشتباك ومستواه. وهذا كما يبدو، أصبح عادة من عادات المقاومة في مخيم جنين، أو كما يبدو، غدا من عادات كل الضفة والقدس وقطاع غزة. ولا ننسَ انتفاضة أهلنا في مناطق الـ48 خلال حرب سيف القدس.
ينبغي لهذه التجربة أن تعلم الكثير من المعلقين الذين راحوا يهاجمون قيادات المقاومة، من دون روية أو تمهل، ومن دون انتظار النتائج الإيجابية التي كانت محصلة لمجموعة المواقف في إدارة الصراع. وهنا قد يدّعي البعض أن هذه الملاحظة تصادر حق النقد او الاعتراض. طبعاً لا، لأن كثيراً من الحق يُراد به باطل، وكثيراً من الاعتراض يُفسد ولا يُصلح. ولكن الحمد لله الذي جعل من النتائج حَكَماً فيصلاً في تحديد الخط الصحيح، والخط الخاطئ، وذلك بغض النظر عن النية التي تريد إصلاحاً لا إفساداً.
إن النتائج التي أسفرت عنها حرب 3 و4 تموز/ يوليو في مخيم جنين، هي التي تشهد للمقاومة والشعب في جنين ومخيم جنين، وهي التي تشهد على حسن إدارة الصراع في غرفة المقاومة في قطاع غزة، وهي التي تشهد على موقف الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، في الداخل والخارج، وذلك في تأييد المقاومة والالتفاف حولها.
إن تجربة الحربين الأخيرتين في جنين، ومن قبلهما تجربة ثأر الأحرار، وما سبق، تشير إلى الاتجاه الذي ستتخذه الأحداث في فلسطين، في الأيام والأسابيع والشهور القادمة.. ومن ثم فليستعد كل من يعنيه الأمر، منذ اليوم، على أن يكون في مستوى الحروب التي يعدّ لها العدو.