توافق اليوم الذكرى التاسعة عشر لاستشهاد القسامي المجاهد باسل محمود أحمد أبو شهاب، وذلك بعد محاصرة قوات الاحتلال الإسرائيلي للمنزل الذي تحصّن فيه بطولكرم، بتاريخ 19 تموز/ يوليو لعام 2004.
بدأت رحلة الشهيد باسل مع كتائب الشهيد عز الدين القسام مع انطلاقة انتفاضة الأقصى، وكانت حكايته الأولى مع القائد الراحل سائد عواد، مهندس صواريخ القسام في شمال فلسين، والذي استشهد على أرض طوباس باجتياح نيسان/ أبريل 2002، مع القادة قيس عدوان ورفاقه.
عمل باسل ضمن مجموعة شكلها سائد وتخصصت في إنتاج وإطلاق صواريخ القسام، وشهد إطلاق أول رشقة من صواريخ القسام من مدينة طولكرم تجاه مغتصبة نتانيا.
حكايته مع الصواريخ
كان باسل فرحاً ومسروراً بهذا الإنجاز القسام، والذي كان في دباياته الأولى، وكان يحلم كما سائد في أن يصبح بمقدور الكتائب في الضفة الغربية أن تهيئ بنية تحتية قادرة على إيصال الصواريخ إلى الخضيرة ونتانيا وكل مغتصبات العدو.
وشكّلت عملية إطلاق الصواريخ من طولكرم، بداية عملية مطاردة لهذا الفارس القسامي والتي كانت حافلة بالمفاجآت، ولمع اسمه في سماء طولكرم بعد اعتقال أعضاء خلية الثأر المقدس القسامية برئاسة المهندس عباس السيد، منفذة عملية بارك الشهيرة .
ولم تكن الصواريخ حكايته الوحيدة، فهو نجم لامع في عالم الاشتباكات المسلحة ونصب الكمائن لدوريات العدو في محيط طولكرم، فقد خاض العشرات منها، كما أن سلطات العدو تتهمه بالضلوع في عملية اقتحام مغتصبة أفي حيفتس والتي نفذها الاستشهادي رمزي العارضة من مخيم طولكرم واعترف العدو بمقتل مستوطن وإصابة عدد آخر .
نجاته من الموت
لن تموت قبل أن يحين أجلك، ولو أحاطت بك جيوش الأرض، وأطبقت عليك السماء بما رحبت، وان أردت الدليل على ذلك ففي سيرة باسل خير مثال.
كانت ليلة لا تنسى تلك الليلة التي كمنت وحدة صهيونية خاصة في أزقة مخيم طولكرم وقت صلاة الفجر، مآذن المسجد الكبير تصدح بالتسبيح، وحمائم المسجد تستعد للذهاب إلى الصلاة، وعلى مقربة من المسجد كان محمد عوفي وباسل أبو شهاب يسيران جنباً إلى جنب.
جمعتهما رفقة المخيم بزقاقه التي تحكي كل لبنة من لبناتها حكاية لاجئ مغلوب على أمره، وجمعهما العمل في كتائب القسام، وفجأة يطلق الغزاة النار بغزارة تجاه الشهيدين في عملية مدبرة استهدفت اغتيال الشهيد باسل، ولكن إرادة الله وقضاؤه كتبت له النجاة من موت محقق، إذ استشهد محمد على الفور فيما أصيب باسل إصابة بالغة.
مكث باسل إثر إصابته فترة طويلة يتلقى العلاج في مخبئه إلى أن شافاه الله، حيث كان مكان الإصابة في الصدر وفي مكان قاتل، ليعود باسل من جديد إلى مقارعة الصهاينة المحتلين.
أما حكايته الثانية مع الموت، فكانت قبل نحو شهرين من استشهاده، حين نفذ الصهاينة جريمة الاغتيال البشعة بحق المجاهد القسامي أشرف ظاهر نافع وكان بصحبته باسل، وكما في المرة الأولى أصيب باسل برصاصات قاتلة في الجزء العلوي من جسده ولكن الله نجاه وتلقى العلاج في مخبئه للمرة الثانية جراء إصابته البالغة.
تلك إرادة الله التي شاءت هذه المرة أيضا أن يعود، إلى مقارعة الاحتلال الغاصب لأرضه وعرضه في فلسطين.
وفي تفاصيل هذه الحكاية، كان الشهيد باسل وثلاثة من رجال المقاومة القساميين متحصنين في منزل في أحد أزقة المخيم، وقد أضناهم طول السهر حيث أنهم لم يناموا حتى ساعات الفجر الأولى، ومع تشقق خيوط الصباح وإذ بعدد من الجيبات العسكرية الصهيونية تقترب من المكان.
ولفترة من الزمن اشتبكوا مع مقاتلو القسام ما بين كر وفر وقام شبان المخيم برشقهم بالحجارة، بعد ذلك انسحبت هذه الآليات من المنطقة، وظن المجاهدون أن المنطقة قد غدت آمنة من أجل أن يقوموا بتغيير مواقعهم، خاصة وأن الناس قد بدأوا بالخروج إلى الشوارع، وهنا نصح باسل رفاقه بعدم الخروج خوفا من كمين غادر.
فخرج الأخوة وإذ بأفراد من الوحدات الخاصة يكمنون لهم في أحد المنازل ليبدأ إطلاق النار الكثيف ويشاهد باسل ما حدث لرفاقه، وهو لا يبعد عنهم سوى أمتار، فيمتشق سلاحه ويبدأ بالاشتباك مع جنود العدو ويقترب من رفاقه محاولا إنقاذهم من مصيدة الموت بعد أن أثخنتهم الجراح، فيصاب في خاصرته إصابة بالغة، وأيضا كما حدث له سابقا يكتب الله له النجاة، ويستشهد اثنين من جند القسام في مخيم طولكرم هما الشهيدين: أمجد عمارة وأشرف نافع.
كمائن فاشلة قبيل الشهادة
كثيرا ما اقتحم الجنود الصهاينة ووحداتهم الخاصة منزل شهيدنا باسل ولم يجدوه، في كل يوم كان هناك عملية اقتحام، وبعمليات شبه ليلية عانت أسرة الشهيد باسل مع الشبح الليلي، ومن التهديد بالقتل، والتهديد بهدم المنزل، التخريب ديدنهم، وذات مرة أحرق الجنود المنزل بعد أن ألقوا بداخله قنابل حارقة، وذلك بتاريخ 30-3- عام 2002.
أبوه وأمه وإخوته الثلاثة، أخواته، جميعهم لم يسلموا من ملاحقة العدو وتنكيله بهم كلما اقتحم المنزل ولم يجد باسل، المطارد الصعب في مخيم طولكرم. وذات مرة اعتقلوا أخوه احمد من أجل الضغط عليه ليقوم بتسليم نفسه، بل أن جميع أخوته الثلاثة قد تعرضوا للاعتقال في مقر الارتباط العسكري وهددوا.
أما المنزل فهناك إخطار بهدمه من قبل جنود الاحتلال الذين سبق لهم وأن اخرجوا كل اسكنيه منه من أجل هدمه، ولكنهم لم يقوموا بذلك حينها.
وكان يختبئ باسل في كل مرة يقتحم فيه الصهاينة المنزل، في سرداب تحت غرفة انزوائية داخل المنزل، ويلتجأ إليه مع كل اقتحام ليجن جنود الصهاينة، وظل باسل على هذا الحال فترة طويلة إلى أن اعتقل الصهاينة أحد الأخوة المطلوبين الذي اعترف تحت طائلة التعذيب العسكري القاسي عن وجود السرداب.
فجاءت وحدة صهيونية مدرعة ونسفت الغرفة وأطرافا من المنزل وهدمت السرداب، ليحلوا بذلك لغزا حيرهم فترة طويلة، وارتقى شهيدنا القسامي باسل أبو شهاب بعد تاريخٍ حافل بالتضحية والعطاء.