توافق اليوم الذكرى السنوية الحادية والعشرين لاستشهاد المجاهد القسامي عنان إسماعيل قادوس، من قرية “عراق بورين” الواقعة جنوب غرب نابلس، وذلك بعد اشتباكٍ مسلح مع قوات الاحتلال بتاريخ 23 تموز/ يوليو لعام 2022، برفقة الشهيدين مأمون قادوس وبلال الأقرع.
نشأ عنان في كنف أسرةٍ متديّنة فكان صغير الأبناء الثمانية و الشقيقتان اللتان تكبرانه، والتحق بالحياة الدراسية مع انطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987 في مدرسة قريته “عراق بورين” الصغيرة، التي لا يزيد عدد سكانها على 1200 نسمة إلى الجنوب الغربي من نابلس .
ومع إنهائه المرحلة الإعدادية توجّه شهيدنا إلى مدرسة (تل) في البلدة القريبة لإكمال دراسته الثانوية، وحصل فيها على شهادة الثانوية العامة، إلا أنه لم يتمكن من إكمال دراسته الجامعية والالتحاق بالمعاهد والجامعات رغم نبوغه الدراسي وذكائه الشديد بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي عاشتها أسرته.
ورغم كونه الأصغر بين أشقائه فقد تحمل عبء المسؤولية وانطلق للعمل بدلاً عن الدراسة، ليصبح عنصراً منتجاً ومساعداً لعائلته، فعمل أول مرة في زراعة الأرض مع أقاربه، و لعلّ في طين فلسطين المقدّس سرّ يدفع العشاق ليذروا أرواحهم سقيا لترابها، فقد أحبّ عنان الأرض حدّ العشق، و أخذ يتحدّث عنها وعن قدسيّتها و قارن بين نعومة أشواكها و قسوة أزهار الغربة .
وفاة والدته
إلى جانب عمله في زراعة الأرض امتهن عنان العمل في مجال البناء، و كان يعمل و يدرس في المدرسة حتى تفرّغ للعمل بصورة كاملة، وتوفّيَت والدته ولم يتجاوز حينها الخامسة عشرة من عمره، وكان لوفاتها أثر كبير في حياته وهو أصغر الأبناء والمعروف برابطة خاصة تجمعه بأمه، فاشتد تدينه وأصبح ملازما للمسجد.
لم يكن عنان من محبي الظهور والاستعراضيين، بل كان رجلاً ينتمي إلى جيل الصحابة الفريد في عقيدته وعبادته وسلوكه وأخلاقه، وازداد تعلقه بمسجد قريته، وكان يبغي الهداية والرشاد للجميع فأخذ يؤسس قاعدة للحركة الإسلامية ومجموعات الأشباب، لجمعهم من شوارع القرية وربطهم بالمسجد وحفظ القرآن الكريم.
و إلى جانب عمله الدعويّ النشط كان عنان من المسارعين في الخيرات، يزيد من قوة إيمانه و يضاعف من التزاماته التعبّدية و الروحانية فأدّى العمرة و كان يحرص على صلوات النوافل و صيام الأيام المستحبّة، لكنّه كان يعلم في قرارة نفسه أنّ الله لا يعذّب جسداً تعفّر في سبيله و جهاداً لعدوّه فالتحق بكتائب الشهيد عز الدين القسام مقاتلاً عنيداً و صلباً و سرّياً دون أنْ يبدي أيّ علامةٍ تشير إلى دوره .
وفيما كان الصهاينة يودّعون قتلاهم الـ 21 الهالكين في عملية عمانوئيل الأولى ليلة عيد الفطر 2001 كانت جماهير الفلسطينيين تحتفي و تحتفل بشهيد القسام الرائع عاصم ريحان، الذي استشهد في العملية القسامية الأولى فيما لم يكنْ قد تبقّى لأمهات الشهداء و الأسرى و آبائهم سوى الدعاء و الجأر إلى الله أن يحفظ القسّاميّين الذين يلتحفون السماء و يفترشون صخر الأرض على قمم الجبال في انتظار لحظات الانتقام دون أنْ يعلم أيٌّ من الفريقين أنّ شهيدنا هو أحد الذين لقّنوا دولة صهيون درساً في فنون القتال القسامية بعملية عمانوئيل (1) إلى أنْ حلّ موعد عملية عمانوئيل الثانية و التي قادها القائد القساميّ الفذّ نصر الدين عصيدة أستاذ الرعب و سيف الخوف المسلّط على رقاب المغتصبين والتي سقط فيها (11) صهيونياً آخرين.
موعد الشهادة
تاريخ العملية الثانية و توقيتها وصم جبين القيادة العسكرية الصهيونية بالعار ، فالضفة تعيش تحت منع التجوّل المشدّد في عملية الطريق الحازم، والهدف المعلَن هو القسام الذي تحوّل إلى أسطورةٍ يفكّ رجاله الحصار و يكسرون قواعد الأمن و يضربون في قلب شارون و يرعبون دولته و يفرضون ضريبة الذلّ و المهانة على قطعان مستوطنيه و يعلّموهم الدروس و العبر و يقدّمون للأمة الرافعة المعنوية تلو الأخرى.
و يشدّد الحصار على المنطقة التي وقعت بها العملية، طائرات الأباتشي و المروحيات ، مئات الجنود والفرق العسكرية تمشّط الجبال غرب نابلس و يحين موعد الشهادة.
قُتِل جنديّ و ضابطٌ بجيش الاحتلال خلال عملية المطاردة التي انتهت في وادي قانا قرب صرة، و اندلع الاشتباك و سقط ثلاثة شهداء، لم يكنْ أحدٌ ليتوقّع أنْ يكون بينهم عنان، فقد كانت عائلته تعلم أنّه خرج للعمل في إحدى الورش مع زميله و رفيق دربه مأمون إبراهيم قادوس، و كانت العائلة تتوقّع أنْ يبيتوا في الورشة و انقطعت الأخبار بفعل منع التجوّل المشدّد المتواصل الذي عاشته نابلس دون أنْ تدري العائلة أنّ ابنها كان أحد الذين يخطّون بصمتٍ بصماتهم أسفاراً في سجلّ المجد الذي يكتب القساميون فيه كلّ ساعة ألف حكايةٍ و حكاية .
رحل عنان و مأمون و رفيقهما الثالث بلال الأقرع ابن قرية قبلان خلال الاشتباك، وصعدت أرواحهم إلى السماء، و ترك الجنود الصهاينة بقاياهم ملقاة في العراء تلتهمها الوحوش، دون أنْ يعلموا أنّ أرواحهم تمرح في رياض الجنان .