توافق اليوم الذكرى السنوية العشرين لاستشهاد القساميين المجاهدين خميس يوسف سالم، وفايز فريد الصدر، أثناء تواجدهم في معملٍ قسامي لتصنيع المتفجرات، واشتباكهم مع قوات كبيرة من جيش الاحتلال اقتحمت مخيم عسكر بمدينة نابلس مدعومة بالطائرات والعربات المدرعة بتاريخ 08 آب/ أغسطس لعام 2003.
وطالبت قوات الاحتلال المجاهدين القساميين سالم والصدر بتسليم أنفسهم، إلا أنهما بادرا بالاشتباك المسلح، وقتلا جندياً قبل أن يرتقيا شهداء إلى العلا، بعد حياةٍ حافلة بالعطاء والتضحية.
الشهيد خميس سالم
ولد الشهيد خميس يوسف محمد أبو سالم، في مخيم عسكر عام 1980، لعائلة تنحدر من يافا المغتصبة عام 1948، وكان متفوقاً في تعليمه وفي دراسته في مدارس نابلس، غير أنه ترك الدراسة لضيق ذات اليد وانتقل للعمل لتوفير العون والمساعدة لأسرته وهو المعروف بتحمله المسؤولية.
وانتقل للعمل في مجال البناء الذي أتقنه وأخلص فيه، وقام بتجهيز شقة خاصة له بناها بنفسه قبل أن يقرر الالتحاق بالركب والانضمام إلى الشهداء، وترك بيته في الدنيا لقصور السماوات العلى، حيث أصبح كل تفكيره وهمه خلال انتفاضة الأقصى المبارك، منصبّة وموجهة نحو امتلاك السلاح والحصول عليه وتنظيم المجاهدين في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام.
وعن أخلاق الشهيد وطبيعة حياته، تقول أسرة الشهيد خميس قد عرف بطول الصمت وكثرة الدعاء للحصول على الشهادة، متواضعاً يهبّ لنجدة من يلجأ إليه محافظاً على صلاة الجماعة في المسجد وخاصة صلاة الفجر، يؤم الناس في الصلاة لحسن صوته وتلاوته.
انتمى الشهيد خميس منذ نعومة أظفاره إلى حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فقد كان قلبه معلق بالمساجد مسارع في الخيرات دائم العمل والنشاط، حتى التحق بكتائب الشهيد عز الدين القسام، وخلال انتفاضة الأقصى عمل شهيدنا بصمت في صفوف القسام وكانت له صولاته وجولاته في الميدان.
بصماته في المقاومة
حتى أن بصماته في الجهاد والمقاومة بقيت قيد الكتمان بعد استشهاده واستشهاد واعتقال من عمل معهم ولم يعرف عن دوره إلا القليل، ومنه أنه كان من خبراء تصنيع المتفجرات في صفوف القسام كما عمل إلى جانب كوكبة طويلة من القادة الشهداء أمثال أمين فاضل وحامد الصدر والمهندس الخامس لكتائب القسام الشهيد محمد الحنبلي، إضافة الى رفيق دربه في الشهادة المجاهد فايز الصدر.
أما حكايته مع المطاردة المتبادلة مع العدو الصهيوني، فبدأت عندما جاءت قوة صهيونية خاصة لاعتقاله ولم يجدوه في المنزل فقاموا بالعبث بمحتويات البيت وتدمير أثاثه طالبين من عائلته تسليمه، وقد حضر ضباط الصهاينة أكثر من مرة إلى المنزل طالبين من أهل خميس تسليمه، غير أنه كان دائما يرفض تلك الفكرة وهذا ما جعل أهله وعائلته يدفعون ثمناً من الضرب والاحتجاز وتدمير المنزل دون أن تلين لهم قناة، حتى ارتحل الشهيد إلى العلا برفقة زميله فايز الصدر في 8/8/2003.
الشهيد فايز الصدر
في مخيم عسكر الجديد للاجئين الفلسطينيين شرق مدينة نابلس، ولد شهيدنا القسامي القائد فايز فريد حامد الصدر في 1/1/1976 بين ثلاثة من الأخوة الذكور واثنتين من الأخوات الإناث، كان فايز ثانيهم جميعاً في الترتيب.
دَرَس شهيدنا القسامي مرحلته الابتدائية في مدرسة عسكر الابتدائية، ليكمل تعليمه الإعدادي في مدرسة أبو بكر والثانوية في مدرسة قدري طوقان بمدينة نابلس، عُرف عن فايز منذ صغره التزامه وارتياده لمسجد “الهدى” في مخيمه.
وعلى موائد القرآن، تزايد حب فايز للشهادة، والاستشهاد في سبيل الله، ورغبةً منه في الاستزادة من الأجر عمل رحمه الله على تربية إخوانه من أبناء المسجد بإقامة حلقات لتدريس أحكام التجويد.
مع اندلاع شرارة الانتفاضة الأولى في 8/12/1987 وبالرغم من كون فايز لم يتجاوز سنواته العشر بكثير، إلا انه كان من المواظبين على المشاركة بفعالياتها برجم القوات الصهيونية وجيباتها بالحجارة، ليتعرض للاعتقال في نهاية الانتفاضة على يدي القوات الصهيونية في سجن النقب لمدة ستة أشهر، بتهمة إلقاء قنبلة مولوتوف على القوات الصهيونية.
الانضمام للقسام
بعد أن اشتعلت شرارة انتفاضة الاقصى وبدأت تتأجج بمشاركة عشرات المواطنين والمجاهدين في صفوف المقاومة، انضم فايز لصفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام على يدي الشهيد القائد أمين حمدان فاضل القائد الميداني لكتائب القسام في مخيم “عسكر الجديد”.
ولم يكن الشهيد فايز الصدر هو الوحيد في عائلته انضماما لكتائب القسام والانخراط في صفوف المقاومة الفلسطينية، فقد استشهد ابن عمه الشهيد القسامي حامد الصدر في 4/11/2002 بعد أن قامت القوات الصهيونية بقصفه وهو في منطقة “واد التفاح” قرب مدينة نابلس.
وشعرت القوات الصهيونية أنه زادت خطورة فايز الصدر على القوات الصهيونية كونه المساعد الأيمن للقائد القسامي أمين فاضل، ليتسلم فايز الصدر قيادة الكتائب في المخيم بعد استشهاد القسامي أمين فاضل في 7/5/2003، ويصعد بعدها اسم فايز على سلم الاغتيالات ويتصدرها في المنطقة، بعد ورود معلومات استخبارية عن تخطيط فايز الصدر للقيام بعملية استشهادية في المناطق المحتلة عام 1948.
ارتقاء الشهيدين القساميين
في يوم الجمعة 8/8/2003 استيقظت نابلس ومخيماتها على رحيل اثنين من فرسانها وأبطال كتائبها القسامية، إضافة إلى شابين آخرين مضيا على طريق الشهداء، حين داهمت قوة صهيونية كبيرة تساندها مروحيتان عسكريتان الساعة الرابعة فجراً مخيم عسكر وحاصرت بناية دويكات، المؤلفة من ثلاثة طوابق حيث تحصن القساميان فايز الصدر وخميس أبو سالم.
وأفاق المواطنون على أصوات مكبرات الصوت التي دعت المجاهدين إلى إلقاء سلاحيهما وتسليم نفسيهما لقوات الاحتلال، ولكن المجاهديْن وبكل إقدام ردا على مكبرات الصوت بالصوت الأعلى الذي تنطق به فوهات البنادق، ورد الجنود الصهاينة بإطلاق الصواريخ وقذائف لاو باتجاه البناية ما أدى إلى تدمير الطابق الثالث منها بالكامل قبل أن يتجرأ الجنود ويقتحموها ويطلبوا من جميع سكانها الخروج بعد إعلان فرض نظام منع التجول.
ومن بين أصوات التفجيرات أخرج الجنود المدججون بالسلاح بجثة الشهيد خميس أبو سالم الذي استشهد ورفيق دربه فايز الصدر بعد هدم البناية، وبعد عمليات بحث مكثفة فشل الجنود في العثور على جثمان الشهيد الصدر فقاموا بنسف البناية بالمتفجرات بالكامل ثم تدمير حطامها بالجرافات، للتأكد من قتله قبل أن ينسحبوا بعد ثماني ساعات على المجزرة، مصطحبين جثمان الشهيد خميس أبو سالم إلى جهة غير معلومة.
وبعد عمليات التنقيب عثر المواطنون على جثة القائد القسامي فايز الصدر، وقد تلطخ وجهه بالدماء وتشوه تحت الأنقاض الأمر الذي أثار مشاعر المواطنين وغضبهم لتنطلق مواجهات عنيفة، رشق فيها المواطنون القوات الصهيونية بالحجارة لترد بإطلاق الرصاص وقنابل الغاز فاستشهد الشاب محمود التك (20عاما) بعد إصابته برصاصة في بطنه والشاب فوزي محمود العلمي (37عاما) بعد استنشاقه كمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع.
وذكر شهود عيان من المواطنين الذين احتجزتهم القوات الصهيونية أن الاشتباك كان عنيفاً وأنهم شاهدوا أكثر من جثة لجنود صهاينة قامت سيارات الإسعاف العسكرية بإخلائهم من الموقع، في الوقت الذي اعترفت فيه القوات الصهيونية بمقتل جندي يدعى (روعي أورن 20 عاما) ويحمل رتبة رقيب أول.
وبذلك لحق المجاهد خميس أبو سالم بركب الشهداء الأبرار وبمجاهدين عمل معهم بعد أن بقي على عهدهم ولم يبدل تبديلا، فرفض أن يكون صيدا سهلا للاحتلال فقاتل حتى قُتل وقَتل وارتقى شهيدا مقبلا غير مدبر برفقة الشهيد المجاهد فايز الصدر، ليحلو اللقاء في جنة الرحمن مع من سبقوا من الشهداء بصحبة النبيين والصالحين.