بشارة سارة من جديد إذ قصفت “كتيبة العياش” في جنين مستوطنة صهيونية بصاروخ مزلزل من نوع قسام (١)، وبذلك تكون فلسطين المحتلة من شمالها إلى جنوبها ومن بحرها إلى نهرها كلها أصبحت في دائرة قصف صواريخ القسام، في حين وصلت صواريخ القسام إلى مدن المركز لدى الكيان الصهيوني، واستكمالًا لذلك فقد أعلنت “كتيبة العياش” في وقت لاحق عن ذلك في بيان لها أصدرته أمس الثلاثاء تناولته وسائل إعلامية وجاء فيه: “تمكن مجاهدونا في كتيبة العياش بعون الله وتوفيقه من قصف مغتصبة “شاكيد” غرب مدينة جنين بصاروخ قسام (١) المزلزل، برغم الظروف الأمنية المعقدة وقلة الإمكانيات والتضيقات الأمنية الكبيرة إلا أننا في كتيبة العياش مستمرون بإذن الله في طريقنا لجعل ضفة العياش جحيمًا على أبناء القردة والخنازير”.
لاشك أن تطور أعمال المقاومة في الضفة المحتلة أصبح من المسلمات في ظل إجراءات القمع الإسرائيلي ومحاولاته تدجين الفلسطينيين وإرهابهم بعدواناته العسكرية واستهدافه المستمر للمقاومة.
وتكمن أهمية القصف الصاروخي للمقاومة على رأسها القسام بهدفها المحقق، وبطريقة الإعداد والتنفيذ، ونجاح إطلاقها، وإصابة الهدف بدقة، حتى وإن تم التعتيم -كعادة الاحتلال- فتكون قد حققت أهدافها الأمنية باختراقها جدران كل المحاذير والتدابير والإجراءات والتعزيزات الأمنية والعسكرية التي يتحصن بها الاحتلال.
والواضح أن “كتيبة العياش” الصاروخية هي خلية ومدربة جيدًا تكتمل فيها كل الإمكانيات التي أثبتت من جديد نجاح عملية إطلاق صاروخ القسام، وهو ما يدلل على انتقالها من مرحلة التصنيع إلى مرحلة الإعداد والإطلاق، وهو ما أعطتها ميزة كبيرة لتطوير العمل المقاوم بالاعتماد على التصنيع المحلي وتطوير الأسلحة بأحدث التقنيات التكنولوجية، وقد تشهد في المستقبل صواريخ طويلة المدى على طريقة غزة، بهدف تحقيق توازن الردع، وهذا يدلل ربما على المدى البعد الزمني الذي رسمته المقاومة لنفسها في مقارعة الاحتلال حتى دحره من الضفة وتحريرها من الاستيطان.
إن تكرار إطلاق صواريخ القسام من جنين على مستوطنات الاحتلال، يثبت الفشل الاستخباري للاحتلال وأنه لا يستطيع أن يصل لكل المقاومين وبالتالي اعتقالهم، وأن هذا سيترتب عليه مراجعة استخبارية ومعلوماتية لكون أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتحرك برؤية وضمن معلومات استخباراتية وتعاون وتنسيق أمني على أعلى الدراجات مع السلطة المتواطئة معه في قمع المقاومين، ولكن بالرغم من كل هذه الإمكانات الضخمة التي تصب في مصلحته فهي كانت خارج رادار الاستخبارات وجواسيسه.
إن المقاومة اليوم غادرت الحالة العفوية كالتي شاهدناها عامَي 2015 و2016، وأصبحنا أمام مقاومة مشرفة وتعد مفخرة لكل وطني ونموذجًا يحتذي به الشباب الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى فرضت نفسها في الساحة الضفاويّة كإحدى أهم أدوات النضال الفلسطيني في الوقت الذي هُمشت فيها المقاومة وحُط من شأنها في السنوات الماضية، التي عاشتها الضفة تحت مطرقة الاحتلال وسندان السلطة التي تتعاون معه ضد أبناء شعبها، ففي كل مرة تقتحم قوات الاحتلال الإسرائيلية المناطق الفلسطينية، وتقوم بإرتكاب أبشع المجازر، لم يحدث مرة أن تدخلت قوات السلطة واشتبكت مع المقتحمين، والملاحظ أنها تختفي حين الاقتحام فلا يكاد يرى أي عنصر منها، وتظهر مباشرة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، حتى بات اختفاء عناصر السلطة مؤشرًا للاقتحام الإسرائيلي.
لم يتوقف الأمر عند اختفاء عناصر أمن السلطة عند كل اجتياح أو عدوان عسكري إسرائيلي، بل أصبحت اليد اليمنى للاحتلال، التي يعتمد عليها اعتمادًا كليًا في تصفية المقاومة، ومصادرة سلاحها وورشها ومخارطِها ومعداتها واعتقال المقاومين، كما لا يخفى على أحد أن السلطة تضغط على المقاومين في الضفة من أجل تسليم سلاحهم، والكف عن مقاومة الاحتلال، لذا نجد أي شخص أراد الدفاع عن فلسطين بسلاحه سيجد السلطة في وجهه قبل قوات الاحتلال التي تدخل وتخرج بكل سهولة المناطق الفلسطينية لتنفيذ عدوانات عسكرية باغتيال المقاومين بدم بارد، كما فعلت أمس بقتل فلسطينيين في عقبة جبر، وبالعودة إلى نفس السؤال السابق، ماذا تفعل السلطة وأجهزتها الأمنية هناك مقابل الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال ضد المواطنين؟ إن استشهاد المقاومين الأبطال لم يحبط العمل المسلح في الضفة المحتلة بل زاده توهجاً، عملًا بوصية الشهيد إبراهيم النابلسي قبل استشهاده “لا تتركوا البارودة”، ولكن سيشهد تكرار عمليات المقاومة بفعل تراكم حالة السخط وازدياد “خزان القهر” لدى كل فلسطيني وسيبُدع بكيفية الرد على جرائمهم.