مع مرور الوقت تتعاظم (المخاطر والتهديدات) في محيط كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتظهر جليةً مخاوف حدوث المواجهة أو الحرب الشاملة، كما يطلق عليها العديد من الأطراف، وذلك في ظل التغيرات المتسارعة في هذه البيئة والتطورات غير المسبوقة في مختلف الجبهات في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وإيران، التي أصبحت أكثر قدرة على خلق معادلة ردع في مواجهة العدو بعد أن نجحت هذه الجبهات في تطوير القدرات على صعيد التدريب والتسليح والجهد الاستخباري، وباتت قادرة على التنسيق والتناغم بصورة فعلية في مسرح العمليات لمواجهة جيش الاحتلال حال اندلاع أي مواجهة كبرى تتطلب تدخل هذه الأطراف.
هذا بدوره دفع العدو الإسرائيلي لتغيير خطط العمل والاستعداد لسيناريوهات مختلفة من المواجهة تتضمن الجهوزية للتعامل مع “حرب متعددة الجبهات”، لذلك أُجري مؤخرا عدد من المناورات لمحاكاة هذا السيناريو، لكن على الرغم من ذلك فإن تقديرات العدو تشير إلى أن أي حرب مشابهة لن تكون نزهة، وستؤدي حتما للإضرار بالجبهة الداخلية، وستخلف عشرات القتلى في صفوف الجنود والمستوطنين، ولن يكون بمقدور أنظمة الدفاع الموجودة بأنواعها التعامل أو التعاطي مع الكم الهائل من الهجمات الصاروخية، التي يمكن أن تنطلق من مختلف الجبهات، ولن تكون بالعشرات أو المئات، وإنما بالآلاف في اليوم الواحد.
لكن في ظل هذه المعطيات فإن العدو يسعى جاهدا لمواجهة هذه التهديدات عبر مسارات عمل مختلفة تتضمن: (الحصار، والاغتيالات، واستهداف المخازن وخطوط الإمداد، وفرض العقوبات، وإرسال رسائل التهديد) وغيرها من أشكال العدوان. بعض هذه الخطوات يتم من خلال العدو مباشرة، وغيرها يتم من خلال حلفائه الإقليميين والدوليين، ويجري ذلك بغطاء دولي يشمل قرارات أممية تأتي في سياق خدمة المصالح الكبرى للعدو الإسرائيلي، لكون المنظومة الدولية أصبحت رهينة بيد القوى الكبرى التي ترى في أمن واستقرار الاحتلال هدفا إستراتيجيا، حتى لو أدى ذلك لاتخاذ أي خطوات عدوانية وعقابية ضد أي بلد في منطقة الشرق الأوسط.
ويهدف العدو الإسرائيلي من ذلك إلى تحقيق حزمة من الأهداف، أبرزها: الحد من القدرات التسليحية في جبهات المقاومة، ووقف التطور الصاروخي، ومنع وصول أسلحة ومعدات متطورة ونوعية للمقاومة، وإشغال المقاومة في مختلف الجبهات في أزمات متلاحقة، ومحاولة تفكيك هذه الجبهات عبر الضغط على الأحزاب السياسية والحكومات بشتى الطرق، وذلك كي يتم إبعاد شبح الحرب الكبرى أو الشاملة، وخفض مستوى المخاطر والتهديدات التي تحيط بالكيان، ويصبح سيناريو الحرب الشاملة بعيدا وغير وارد.
لكن في حقيقة الأمر فإن العدو فشل فشلا ذريعا على الرغم من كل هذه الخطط وهذه الخطوات على الأرض على مدار السنوات الماضية، التي نُفذت من خلاله أو من خلال حلفائه الإقليميين والدوليين، ولم يستطع حسم الصراع، أو تحقيق نتائج ملموسة في هذا السياق، في حين باتت هذه الجبهات أكثر “تسليحا وتدريبا”، وأصبحت المقاومة تمتلك قدرات صاروخية غير مسبوقة على صعيد (العدد، والمديات، والقدرات التدميرية) فضلا عن حجم التعاون والتنسيق بين هذه الجبهات التي أصبحت قادرة على خوض هذه المواجهة مع العدو الإسرائيلي.
لكن توقيت هذه المعركة وظروفها مرهونان بيد قيادة المقاومة التي تستعد لاختيار توقيت وظرف يخدمان الأهداف الكبرى التي تسعى المقاومة إلى تحقيقها، وفي مقدمة ذلك إلحاق أكبر هزيمة بالعدو الإسرائيلي، تدفعه لإنهاء احتلاله لفلسطين وللأراضي العربية بصورة نهائية.