ما زال الاحتلال يعيش حالة من خيبة الأمل والصدمة عقب اعتراف منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة- اليونسكو بموقع “تل السلطان” في أريحا لكونه جزءًا من التراث العالمي، ما عُدّ تذكيرًا للمحتلين بأن فلسطين ما زالت في الواقع السياسي الحالي موجودة وقائمة، رغم محاولات التهويد والصهينة والأسرلة للأمكنة والآثار، العربية الفلسطينية، أبّاً عن جد.
مع العلم أنه قبل شهرين أرسل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش رسالة رسمية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يطالب فيها بالتعبير عن موقف رسمي ضد عودة الولايات المتحدة لليونسكو، ما كشف في حينه عن مدى العمى السياسي الذي يصيب هذه الحكومة، وفي الوقت ذاته نظمت مجموعة من الوزراء وأعضاء الكنيست اليمينيين جولة مع المنظمات الاستيطانية طالبوا فيها بمنع إعلان تل أريحا موقعاً تراثياً فلسطينياً.
لقد كشف الاعتراف الأممي بـ”تل السلطان” موقعاً تراثياً فلسطينياً عن مدى القلق الذي انتاب أوساط الحكومة الاسرائيلية الساعية في سباق مع الزمن لتهويد الأرض والمكان، مع العلم أن هذا الموقع الأثري يوجد في المنطقة (أ) التابعة للسلطة الفلسطينية، وبالتالي فهو موقع تراث فلسطيني يعود لعصور ما قبل التاريخ، وبفضل كونه أحد أقدم المواقع في العالم التي حافظت على استمرارية الوجود البشري عبر التاريخ، فقد اعترفت به اليونسكو كموقع للتراث العالمي الفلسطيني.
تجدر الإشارة أن اللوبي الإسرائيلي في اليونسكو حاول التحرك بغرض إفشال القرار، وأرسل رسالة للدول المصوتة في المنظمة الدولية، وطلب منها التصويت ضد الاعتراف بـ”تل السلطان” كموقع تراث عالمي لفلسطين، وساق إحدى الحجج الواهية التي يستخدمها اليمينيون المحتلون بزعم أن اسم أريحا يظهر في التوراة 53 مرة، واعتقادهم أن مثل هذه الحجة ستدفع أي دولة لتغيير تصويتها، وهو ما لم يتم فعلاً.
في الوقت ذاته، تفيد الحجة الرئيسية الأخرى لليمين الإسرائيلي أن الاعتراف الأممي بهذا الموقع التاريخي الأثري يعد جزءًا من الترويج الفلسطيني لحملة إنكار ما يدعي أنه “التاريخ اليهودي” في الضفة الغربية، ولذلك أنفقت سلطات الاحتلال مؤخرًا قرابة 150 مليون شيكل لتهويد المواقع التراثية بالضفة، في حين تمحى أي مواقع لا تحكي أي قصة يهودية.
الغريب في الأمر ظهور تناقض في الموقف الإسرائيلي، فحين أعلنت وزارة الخارجية قبل صدور القرار أنه ذو طبيعة مهنية بحتة، ولا علاقة له بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنها بعد الإعلان أصدرت بيانًا مختلفًا تمامًا، زعمت فيها أنه علامة أخرى على الاستخدام “الساخر” لمنظمة اليونسكو من الفلسطينيين، وتسييسها، وهي ذريعة جوفاء لن تغير من حقائق الأمور شيئاً، وأهمها أن فلسطين للفلسطينيين، لم تكن يوماً، ولن تكون مستقبلًا، لسواهم.