لا يخفى على أحد أنَّ المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية خرَّجت العديد من المقاومين لدولة الاحتلال، مقدمةً أبناءها كمنارة يهتدي بها من أراد تحرير وطنه، وكنموج للمواطن الفلسطيني الذي لم يمنعه الخروج من وطنه قبل 7 عقود من مواصلة النضال حتى العودة، وفي طريق الحرية اعتقل العديد من الفلسطينيين في سجون الاحتلال مقدمين زهرة أعمارهم قرباناً لوطنهم وكذلك العديد من الجرحى والبيوت المهدمة.
بالقرب من أقدم مدينة على وجه هذه الأرض أقيم مخيم عقبة جبر إلى الجنوب الغربي من مدينة أريحا الفلسطينة عقب احتلال الأرض عام 1948 وحسب تقديرات “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” فإنَّ عدد سكان المخيم بلغ في منتصف العام 2023 نحو 9904 لاجئ.وينحدر سكانه من قرى شمال مدينة حيفا المحتلة، وتبلغ مساحته حوالي 689 دونماً.
ويشرف المخيم على الطريق الرئيس للمسافرين من مدينتي القدس أو رام الله إلى أريحا، وتكمن أهمية المكان في أنَّه يمثل الطريق التجاري القديم الذي كان ومازال يربط القدس بأريحا ومن ثم بشرق الأردن عبر النهر، ويعد هذا الطريق منطقة شبه صحراوية تعرف محلياً باسم برية أو صحراء القدس ويقع على جانبي هذا الطريق عدد كبير من المواقع التاريخية والأثرية.
محاولات التهجير
في عام 1967 حاول الاحتلال الإسرائيلي تفريغ المخيم من السكان، وطرد من تبقى منهم إلى شرق الأردن، بيد أنَّ السكان حافظوا على بقائهم في ذاك المخيم وناهضوا سياسة الاحتلال الرامية إلى تفريغ الأرض من السكان، وبقيت الخيام القائمة فوق هذا المخيم عنواناً للتعبير عن القضية الفلسطينية، ورسالةً للاحتلال أنَّ قضية الفلسطينيين لا تنتهي إلا بعودتهم إلى بلادهم التي هجروا ميها، معتبرين المخيمات مكانا مؤقتاً للسكن لا دار إقامة دائمة.
وتابع أبناء المخيم الحفاظ على إرثهم التاريخي جيلاً بعد آخر متناقلين الروايات التي حكاها الأجداد عن قراهم الفلسطينية المدمرة بسبب الاحتلال، عن قصص الأرض وإصلاحها، مستذكيرين حياتهم قبل الاحتلال وما تمتعوا به من خيرات ورغد العيش والتجارة والصناعة وما تناقلوه من قصص وروايات ورسومات تحكي تاريخهم، وقد حافظوا عليها جيلًا بعد جيل من أجل حمايته من الاندثار والنسيان ليظل حاضرًا في الأذهان حتى العودة إلى أرضهم التي هجروا عنها.
كتيبة عقبة جبر
شارك المناضلون في مخيم عقبة جبر في كل الانتفاضات الفلسطينية والهبات الشعبية التي واجهت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 مروراً بأحداث عام 1967 وكذلك انتفاضة الحجارة عام 1987 و انتفاضة الأقصى عام 2000 وما زال المقاومون في المخيم يقدمون الغالي والنفيس مشاركين في إكمال معركة طوفان الأقصى التي اندلعت في يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2023.
ومع انطلاق النهضة الجديدة للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية أسست كتيبة مخيم عقبة جبر في العام 2023 والتي واجهت الاحتلال في كل أماكن تواجده، ومن أبرز عمليات الكتيبة هو إطلاق النار على مطعم للاحتلال في مستوطنة (ألموغ) بالقرب من مدينة أريحا، أوقعت هذه العملية عدداً من القتلى والجرحى، وانسحب المناضلون إلى قواعدهم بسلام.
تعرفت قوات الاحتلال على أعضاء الخلية التي نفذت العملية بعد عودتها إلى الكاميرات المنصوبة أمام وداخل المطعم، فقامت بملاحقة المناضلون وحصار مدينة أريحا مدة 10 أيام، وحاول الاحتلال دخول المخيم غير أنَّ وجود عناصر من كتائب الشهيد عز الدين القسام كانت لهم بالمرصاد فزرعت العبوات في طريق الجيبات العسكرية، وأطلقت نيرانها بكثافة على الجنود.
وفي السادس من فبراير/ شباط عام 2023 تمكن الاحتلال من تصفية كل من ثائر عوضات 29 عاماً، وهو متزوج وأب لـ4 أطفال والشهيد إبراهيم عوضات 28 عاماً والشهيد رأفت عوضات 22 عاماً والشهيد مالك لافي 23 عاماً والشهيد أدهم عوضات 23 عاماً.
اقتحامات واعتقالات
وكحال سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة يتعرض مخيم عقبة جبر لاقتحام الاحتلال، وما ينتج عن ذلك من اعتقالات أو جرحى وحتى شهداء ففي العاشر من إبريل / نيسان 2023 اقتحمت قوات الاحتلال المخيم وقبل أن تنسحب قتلت الطفل محمد فايز بلهان (15عاما)، برصاص الاحتلال الحي في الرأس والصدر والبطن إضافة لجرح اثنين آخرين وصفت جراحهما بالخطيرة.
وفي 15 أغسطس/ آب من العام الجاري استشهد شابان فلسطينيان برصاص الاحتلال خلال مواجهات عنيفة اندلعت إثر اقتحام قوات الاحتلال للمخيم وهما محمد نجوم (24 عاما) وقصي ربحي (17 عاما). وفي يوم الأربعاء الموافق 20 سبتمبر/ أيلول من عام 2023 استشهد الشاب ضرغام الأخرس (19 عاماً)، متأثّراً بجراحه الحرجة في الرأس، وذلك بعد إصابته برصاص قوات الاحتلال في مخيّم “عقبة جبر” بأريحا.
وتستمر المقاومة الفلسطينية في تقديم كل ما تملك في قرى ومخيمات ومدن الضفة الغربية، ويبقى مخيم عقبة جبر عصياً على التدجين أو الترحيل أو الاندثار.