احتلت الأرض الفلسطينية عام 1948 ودخلت العصابات الصهيونية القرى والمدن محولةً سكانها في لحظة واحدة من مقيميين على أرضهم إلى لاجئين في مكان آخر على ذات الأرض، أو إلى بلاد الجوار، ملحقةً بهم أقسى ظروف الحياة وأشدها على الأنسان وكانت الهيئة العامة للأمم المتحدة قد أعلنت في العام 1947 تقسيم الأرض الفلسطينية إلى شطرين واحدة لأهلها الأصليين والثاني لدولة جديدة لليهود يطلق عليها اسم (إسرائيل).
البدايات والأصول
منذ عام 1948 بدأت قصة مخيم الدهيشة الذي أقيم على قطعة أرض مساحتها 0.31 كم2 استأجرتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) من الحكومة الأردنية، ويقع المخيم ضمن حدود بلدية بيت لحم ويبعد عن مدينة القدس 23 كم. ويمتد المخيم بشكل طولي بمحاذاة شارع القدس الخليل.
وتعود تسمية المخيم بالدهيشة، إلى المكان الذي أقيم فيه حيث كان سابقاً معسكراً للجيش المصري، وكانت تملؤه الأشجار (هيشة) باللهجة المصرية، وحُرفت الكلمة إلى دهيشة، ومع الوقت تمددت مساحة المخيم من 258 دونماً في سنة 1949 إلى 340 دونماً. وتنحدر أغلبية سكان المخيم من منطقة وسط فلسطين، مناطق جنوب القدس وشمال الخليل حتى الرملة.
المؤسسات الأهلية والسياسية
لعبت الحركات الوطنية والإسلامية دوراً بارزاً في تشكيل هوية المخيم ولونه المقاوم للاحتلال، فمنذ نهاية السبعينيات تشكلت لجان وأطر شبابية فاعلة في المخيم، لم تعترف بها سلطات الاحتلال وضيقت الخناق عليها كونها كانت تمثل الخط الوطني للمخيم، ومنها مركز شباب الدهيشة الاجتماعي الذي لعب دوراً مهماً في إفراز قيادات ثقافية وسياسية، وكان له دور كبير في تعزيز الحس الوطني، ولذلك أغلقته سلطات الاحتلال بحجة العمل السياسي.
ويمثل المخيم حالة من الانسجام الوطني بين كافة أبنائه، فلا يجد أحد منهم ميزةً على الآخر، أو تفوقاً حزبياً أو عائلياً أو غيره، وعلى الرغم من قدوم السلطة الفلسطينية عام 1993 وفق اتفاق أوسلو الذي تنازلت فيه عن حق اللاجئين في مخيم الدهيشة عن أرضهم الأصلية في حيفا، غير أن الفلسطينيين في المخيم لم يواجهوا السلطة الفلسطينية بالمقاومة بل حاولوا وما زالوا يحاولون استرداد الهوية الوطنية للسلطة الفلسطينية ودفعهاً لرفض الاعتراف بحق دولة الاحتلال في الوجود فوق أرضهم ومقدساتهم المحتلة عام 1948.
مخيم الاعتقال الجماعي
هو أكبر المخيمات الفلسطينية المقامة في جنوب الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967 من حيث عدد السكان وبلغ عدد سكان المخيم في سنة 1949 نحو 3200 لاجئ، وتنتشر داخل المخيم شبكة من الطرقات والأزقة وهي في معظمها ضيقة وصغيرة. وخلال حكم الاحتلال للضفة الغربية، أُطلق على المخيم اسم “مخيم الاعتقال الجماعي”، كون المخيم كان محاطاً بأسلاك شائكة تعيق حركة أهالي المخيم.
وكحال سائر المدن الفلسطينية وقراها ومخيماتها تعرض مخيم الدهيشة للعديد من حالات الاقتحام على امتداد الأعوام والسنوات ابتداءً من أحداث عام 1967 مرورا بانتفاضتي عام 1987 و عام 2000 وليس آخراً معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها كتائب الشهيد عز الدين القسام والمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر / تشرين الأول عام 2023 وما زالت تبعاتها حتى اللحظة قائمة.
مواجهات واعتقال نساء
مواجهات عنيفية شهدها مخيم الدهيشة على مدار سنوات احتلال فلسطين، وفي مطلع العام 2023 الجاري شهد المخيم مواجهات عنيفة أدت إلى إصابة الطفل عمرو خالد لطفي الخمور 14 عاما برصاص الاحتلال في الرأس، مما أدى إلى استشهاده.
وفي أعوام سابقة اعتقلت قوات الاحتلال زوجة الأسير أحمد المغربي 45 عاماً والمحكوم عليه بالمؤبد 18 مرة، بعد أن فتشت المنزل تفتيشاً كبيراً متلفةً كل ما فيه من مقومات حياة، وفي 25 أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 اقتحم الاحتلال الإسرائيلي المخيم، واندلعت مواجهات عنيفة، أسفرت عن إصابة شابين بالرصاص الحي، أحدهما في قدمه والآخر في خاصرته.
وتستمر قصة المخيمات الفلسطينية والأرض الفلسطينية المحتلة في الأنين حتى تنطلق مقاومة باسلة تعيد إلى جسد المخيم السكون كي، ثم يعود إلى وطنه مجدداً بعد تحرير الأرض وطرد الاحتلال.