فيما يواصل الاحتلال حرب الإبادة والعدوان على قطاع غزة، فإن المستوطنين بالضفة الغربية وبدعمٍ مباشر من الجيش يسعون لتطبيق نكبةٍ أخرى، يهجرون من خلالها ما تبقى من فلسطينيين صامدين على أرضهم.
فخلال أسبوعين بعد السابع من أكتوبر ارتفع عدد اعتداءات مستوطني الاحتلال ليصل إلى 280 اعتداءً، وشملت مختلف مناطق الضفة الغربية، وتنوعت أشكالها من هجوم على البلدات والقرى، إلى مصادرة مواشي وممتلكات وحتى اختطاف وقتل، وجميعها تمت بحمايةٍ مباشرة من جيش الاحتلال.
كما رصدت أرقام مراكز الأبحاث أن معدل هجمات المستوطنين في بعض المناطق يتراوح بين 3 -7 اعتداء في اليوم الواحد، وأنهم استطاعوا حتى الأسبوع الأول من ديسمبر تهجير 15 تجمعًا سكانيًا فلسطينيًا تضم أكثر من 133 عائلة، ونصف هذه الاعتداءات تتم بدعمٍ وحراسةٍ من الجيش.
وتتركز هجمات المستوطنين على المواطنين الذين يقطنون بجانب البؤر الاستيطانية، خاصةً تلك التي يخرج منها مجموعات إجرامية مثل “فتيان التلال” التي تعتبر مهاجمة الفلسطينيين وقتلهم عملًا وطنيًا، لكن ذلك لا يعني أن يقية سكان الضفة الغربية آمنون، فمع تزايد عدوان الاحتلال على قطاع غزة استغل المستوطنون الوضع فأنشأوا بؤرًا استيطانية جديدة، واستولوا على مزيدٍ من الأراضي، وهاجموا المواطنين أثناء حصادهم لأراضيهم خلال موسم الزيتون.
اليوم يحاول المجتمع الدولي تجريم أفعال المستوطنين في الضفة الغربية وتجاهل أن هؤلاء المجموعات هم جزء من دولة محتلة شاملة، وأنا ما يمارسونه يمثل عينة لما يقوم به الاحتلال بشكلٍ ممنهج في الضفة، من مصادرة لأراضي المواطنين، وهدم لبيوتهم، وحرمان لهم من التنقل بحرية بين مدن الضفة الغربية، واستهدافهم بالقتل والتنكيل.
رغم ذلك فلم يتحرك المواطنون الفلسطينيون بشكلٍ جدي في الضفة الغربية لإيقاف هجمات المستوطنين ضدهم، فلم يتم إنشاء مجموعات لحماية وحراسة القرى والبيوت البعيدة فيها من هجمات المستوطنين، واعتبرت الأضرار الناتجة عن اعتداءات المستوطنين خارج نطاق التأمين المفروض على المواطن الفلسطيني، وخلال هجمات المستوطنين كان رد الفعل الغالب للفلسطينيين هو الانسحاب، ولم يتم توفير سبل حماية أو دفاع أو استرداد لما يهاجمه المستوطنون من مناطق وممتلكات.
يكشف عن ضعف الفلسطيني الأرقام التي تشير لتصديه لاعتداءات المستوطنين، فمنذ الرابع من سبتمبر حيث تصدى المواطنون لعددٍ من المستوطنين وتسببوا بثلاث إصابات في صفوفهم فيما قتل الفلسطينيون مزارعًا في أرضه، توقفت مساعي التصدي للمستوطنين حتى منتصف ديسمبر حين تصدى المواطنون قرابة الـ 9 مرات للمستوطنين.
رد الفعل الضعيف بوجه اعتداءات المواطنين دفع نحو تهجيرٍ صامت للمواطنين من أراضيهم وبلداتهم، حيث أشارت مصادر محلية إلى أن أهالي قرية “زنوتا” جنوبي مدينة الخليل قرروا مغادرة أراضيهم من جراء تكرار اعتداءات المستوطنين الذين يحميهم جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليكونوا بذلك التجمع السكاني السادس عشر الذي يتم تهجيره من قبل المستوطنين.
وحتى الرابع من ديسمبر الحالي قتل المستوطنون 11 فلسطينيًا، وهو رقمٌ غير مسبوق يدل على وحشية متزايدة، وكان الأهالي قد عثروا على جثمان الشهيد أحمد عاصي من بلدة قراوة بني حسان بعد انسحاب المستوطنين، حيث تصدى المواطنون لهم بشراسة وتدخل جيش الاحتلال لصالح المستوطنين لكنهم لم يلبثوا أن تراجعوا، وبعد ساعات من إعلان فقدان أثر الشاب وجدت جثته بين أشجار الزيتون وعليها آثار ضرب وتعذيبٍ واضحة.
استشهاد أحمد من قراوة بني حسان ليس الأول ولن يكون الأخير، ما لم يفعل الفلسطينيون شيئًا ويقرروا أن يقفوا في وجه اعتداءات المستوطنين، ويردوهم عن إيذائهم، ولنذكر أن عمليات المقاومة في الانتفاضة الثانية كانت تتركز في المناطق التي يعتدي بها المستوطنون على المواطنين وينكلوا بهم، مثل مستوطنة أرئيل في شمال الضفة الغربية، ما دفع المستوطنين للخوف والتراجع من مجرد الاقتراب من الفلسطينيين أو التفكير في دخول أراضيهم.ولكم في ذلك عبرة.