يقف مخيم العروب للاجئين الفلسطينيين في شمال مدينة الخليل المحتلة صابراً على بلاء الاحتلال للأرض الفلسطينية منذ عام 1948، محتسباً كل ما أصابه في رصيد تحرير الأرض والعودة، مقاوماً منذ الأجيال الأولى التي أسست المخيم مروراً بكل مراحل الشعب الفلسطيني على مدار 7 عقود من الزمن، لم يتغير المخيم ولم يبدل أهله سعيهم نحو الحرية والعودة بوعود السلام التي عقدتها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 وبددتها آلة الدمار الإسرائيلية قبل أن ترى النور أو تولد دولة للفلسطينيين.
ينبذ اللاجئون الفلسطينيون كل شيء ينتقص من حقوقهم المشروعة في العودة إلى أرضهم المحتلة عام 1948، ولا يعترفون بحق دولة الاحتلال بالوجود على أنقاض مدنهم وقراهم المدمرة، ومنذ تاريخ الاحتلال جاء أهل مخيم العروب من عدة قرى فلسطينية مثل: عراق المنشية، زكريا، عجور، قسطينة، كدنة، الفالوجة، بيت جبرين، بيت نتيف، الدوايمة، وأقاموا على مساحة 258 دنما من الأرض. وما زالت مفاتيح بيوتهم يحتفظون بها ويتناقواها عبر الأجيال.
أسد العروب
أمام حالة اللجوء من الأرض لا يجد الفلسطيني حلا غير مقاومة الاحتلال، لذلك تحولت المخيمات إلى معسكرات وطنية تخرج الأسود الذين يواجهون المحتل وآلته العسكرية، ومن هؤلاء الأبطال محمد عزيز رشدي المولود عام 1969 في مخيم العروب الذي أذاق الاحتلال مرارة الموت في 56 عملية بطولية اقتحمت عمق دولة الاحتلال هادمةً غرورها بالأمن مبددةً كبريائها بجيشها الذي قهر وما زال يقهر.
اتهم الاحتلال رشدي بالعديد من الأعمال النضالية كان في بدايتها إيواء مطاردي كتائب الشهيد عز الدين القسام، ثم تنظيم عناصر مقاتلة في كتيبة الاستشهاديين، إضافة لقتل كولونيل بالجيش الإسرائيلي يدعى (موردخاي ليبتن) وقتل الكابتن (كوبي) واختطاف (يارون حاييم)، كما أنَّه رافق الشهداء يحيى عياش وماهر أبو سرور وغيرهم من رعيل كتائب القسام الأوائل الذين كان لهم الدور الأهم في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصر، متزعمين المقاومة بلا منازع.
في 13 سبتمبر/ أيلول عام 1993 في الوقت الذي كانت فيه رموز منظمة التحرير الفلسطينية توقع اتفاق أوسلو المزعوم مع جنرلات دولة الاحتلال، كان رشدي يؤدي الدور الوطني لأي مناضل فلسطيني، متجهاً في مهمة نضالية برفقة مجموعة من المناضلين المشتبكين مع الاحتلال، ثم بعد اشتداد المعركة طلب من زملائه بالإنسحاب من المكان وهو من سيقوم بتغطية على انسحابهم، واستمر في الاشتباك حتى لاقى الله شهيداً.
فتيان ونساء شهداء
يستهدف الاحتلال الإسرائيلي الكل الفلسطيني فهو لا يستثنى الأطفال ولا النساء من القتل ربما كان ما نقل عن الاحتلال من كلام مفاده: (الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت) هو برنامجه العملي للقضاء على الفلسطينيين، ففي يوم الإثنين الموافق 17 مايو/ أيار من عام 2021 استشهد الفتى عبيدة أكرم جوابرة 17 عاماً من مخيم العروب جنوب الضفة الغربية.
بعد مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطيني وجيش الاحتلال ارتقى جوابرة بعد إصابته برصاصة في الصدر، وقامت قوات الاحتلال بمنع سيارات الإسعاف من إنقاذه مما أدى إلى استشهاده، وأطلقت قوات الاحتلال وابلاً من الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط والغاز صوب المتظاهرين، وأصابة الأعيرة النارية عدداً من المارة بجروح بين متوسطة وخطيرة.
وسجل مخيم العروب ارتقاء عدداً من الشهيدات الفلسطينيات مثل: الشهيده ميسون محمود عبد الطيف قنام و الشهيده اسماء محمد عبد العاطي الشريف و الشهيدة فاطمة رشدي عيسى و الشهيد سارة حسن محمود لافي. ويبقى سجل الشهداء ماض حتى تحرير الأرض كاملة من الاحتلال الإسرائيلي.
شاب شهيد
لا يخفى على أحد أنَّ الاحتلال الإسرائيلي دوماً يحاول أن يواري جريمته خلف ادعاءات كاذبة، فيقتل ويدمر ويفعل ما يشاء بآلة القتل الشديدة مدعياً أنَّ الفلسطيني ينوي القيام بهجوم ما، ثم سرعان ما تنكشف الحقيقة ويظهر الادعاء ويمضي الاحتلال في جرائمه دون أن تواقفه كوابح القانون الدولي الإنساني أو أي شيء آخر.
في 22 / أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 أعلن جيش الاحتلال في بيان صدر عنه أنَّه أطلق النار على شاب قرب مخيم العروب زعم أنه “حاول دهس مجموعة من الجنود” رغم أن هناك فيديو يوثّق مشيه على الأقدام لحظة استهدافه من الخلف دون وجود سيارة أو قوة.
واحتجزت قوات الاحتلال جثمان الشهيد قتادة سلامة غنيمات البالغ من العمر 20 عاماً وأطلقت النار صوب مركبة إسعاف تابعة للهلال الأحمر وطاقمها، عند محاولتهم الوصول إليه، وأدعى الجيش أنه وجد سكيناً داخل السيارة التي استقلها الشهيد.
أحياء المخيم
يطلق أهل المخيم على أحيائهم أسماء القرى التي هجروا منها من أرض عام 1948 حتى تستمر الذاكرة نابضة حية متنقلة من جيل لآخر، ومنها حارة العراقوية:نسبة إلى بلدة عراق المنشية، وتلك “حارة الزكارنة”نسبة إلى بلدة زكريا وأخرى “حارة العجاجرة” المنتسبة إلى بلدة عجور، وكذلك “حارة الفوالجة” نسبة إلى قرية الفالوجة.
ويعيش الشعب الفلسطيني حالة استثنائية بعد السابع من أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 ذاك اليوم الذي جعل عودة اللاجئين إلى بلادهم التي رحلو منها عام 1948 في متناول التفكير والعقل، علاوة على إمكانية إزالة دولة إسرائيل المقامة منذ 70 عاماً، فقد حولت المقاومة الفلسطينية دولة الاحتلال في مرمى ضربات المقاومة الفلسطينية التي باتت قادرةً على تفجير أقوى دبابات الاحتلال، وإمطار عمقه بالصواريخ، فأصبحت المقاومة أشد عوداً، وأقوى تأثيراً، وسيخرج من مخيم العروب أبطال جدد يعيدون المجد ويزرعون بذور الحرية.